تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رثاء جميلٍ لنفسه

ـ[مُسلم]ــــــــ[10 - 09 - 2008, 11:23 م]ـ

لمَّا حضرتْ الوفاة جميلاً بمصر دعا رجلاً فقال له: هل لك في أن أعطيك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئاً أعهده إليك؟ , فقال: اللهم نعم , فقال جميل: إذا أنا متُّ فخذْ حلَّتي هذه في حقيبتي فاعزلها جانباً ثم كل شيء سواها لك , وارحلْ إلى رهط بني الأحب من عذرة - وهم رهط بثينة - فإذا صرتَ إليهم فارتحلْ ناقتي هذه واركبها , ثم البسْ حلَّتي هذه واشققها ثم اعلُ على مرتقع وصحْ بهذه الأبيات وخلاكَ ذمٌّ , وأنشده الأبيات التالية:

صدعَ النعيَّ، وما كنى بجميلِ = وثوى بمصرَ ثواءَ غيرِ قفولِ

ولقد أجرُّ الذيلَ في وادي القرى = نَشوانَ، بينَ مَزارعٍ ونَخِيل

بكرَ النعيَّ بفارسِ ذي همٍة = بطلٍ، إذا حُمّ اللّقاءُ، مُذيلِ

قُومي، بثينة ُ، فاندُبي بعويلِ= وابكي خليلكَ دونَ كلّ خليلِ

فلمَّا قضي وواره , أتى رهط بثينة ففعل ما أمره به جميل , فما استتم الأبيات حتى برزتْ إليه امرأة يتبعها نسوة قد بزَّتهنَّ طولاً وبرزتْ أمامهن َّ كأنها بدر قد برز في دجنَّة , وهى تتعثر في كسائها حتى أتته فقالت: يا هذا , والله لئن كنتَ صادقاً لقد قتلتني ولئن كنتَ كاذباً لقد فضحتني. فقال: والله ما أنا إلا صادق. وأخرج حلَّة جميل فلمَّا رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكت وجهها واجتمع نساء الحيِّ يبكين معها ويندبنهُ حتى صعقتْ فمكثتْ مغشياً عليها ساعة ثم قامت وهى تقول:

وإنَّ سُلُوِّي عن جميلٍ لساعةٌ = منَ الدهرِ ما حانتْ ولا حان حينُها

سواءٌ علينا يا جميلُ بنُ مَعْمَرٍ = إذا متَّ بأساءُ الحياة ولينُها

فلم يُرَ يوم كان أكثر باكياً وباكية منه يومئذٍ.


المصادر:
الشعر والشعراء: ابن قتيبة.
الأغاني: أبو الفرج.
الوفيات: ابن خلكان.
مصارع العشاق: السراج.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير