. شعراءُ الجن ..
ـ[مُسلم]ــــــــ[12 - 08 - 2008, 02:34 م]ـ
.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
في بلاد العرب الواسعة أماكن اشتهرت بإلهام الشعراء، منها زَرُود، وعبقر، ووادي الأرواح, لأن لافظ بن لاحظ شيطان أمرئ القيس، وهَبِيد بن الصَّلادم شيطان عبيد بن الأبرص الأسدي، وعنتر بن العجلان شيطان طرفة، وهادر شيطان النابغة الذبياني، وأبا الخطار شيطان قيس بن الخطيم، ومُدرِك بن واغم شيطان الكميت بن زيد يسكنون في رمال زرود، وهناك فئة من شياطين الشعراء يسكنون بلاد عبقر وهم كُثر، وفئة ثالثة من شياطين الشعراء يسكنون في وادي الأرواح؛ وهم: حسين الدَّنَّان شيطان أبي نواس، وعتَّاب بن حبناء شيطان أبي تمام، وأبو الطبع شيطان البحتري، وحارثة بن المُغَلِّس شيطان المتنبي.
وشهرة بلاد زرود بإلهام الشعراء قديماً حتى إن شهرتها معروفة في كل بلد، ومن رغب في قول الشعر فما عليه إلا ان يتجه إلى زرود، ويقيم فيها، يشرب من لبن الظباء .. كما فعل المروزي، وهو أحد الراغبين في قول الشعر، فقد شخص إلى زرود، وأخذ يطوف بكثبانها على جمله، وفي أحد الأيام وجد قطيعاً من الظباء، ففزع من جمله، فإذا براعي الظباء يزجر صاحب الجمل, يقول المروزي: فغضبت، وأخذت أردد بعيري في مراعي الظباء، فلم يكن منه إلا أن دنا من جملي، وصاح به صيحة برك على أثرها، وضرب بجرانه الأرض، فوثبت عنه إلى الأرض، وعلمت أنه من الجن، فطمعت في الشعر، وتوجهت إليه بقولي: أتروي من أشعار العرب شيئا؟ فقال: أروي وأقول، فقلت: أنشدني من قولك؟ فأخذ يقول:
طَافَ الخيالُ علينا ليلةَ الوادي = من آلِ سلمى ولم يُلمم بميعادِ
فأنشد القصيدة إلى قوله:
لأعرفنَّكَ بعدَ الموتِ تندبني = وفي حياتي ما زودتني زادي
فقلت له هذا الشعر لعبيد بن الأبرص الأسدي وأنت تدعيه!! فقال: ومن عبيد لولا هبيد, ثم دعاني إلى شرب لبن، فأجبت دعوته، ولما أحضر اللبن إذا هو لبن ظبي، فلم أستسغه، وحاولت شربه فلم أستطع، ومججت ما كان في فمي، ثم قال: أما لو شربته لأصبحت أشعر قومك، ولما ودعت الراعي أسفت على عدم قدرتي شرب لبن الظبي، فحرمت من قول الشعر بسبب ذلك.
وهذا مظعون بن مظعون الأعرابي قصد زرود وأقام بها يطلب الشعر، فمر به رجل على راحلته فاستضافه، ولما أقام الرجل عنده سأله مظعون عن شياطين الشعراء، فقال الرجل بتُّ عند واحد منهم ليلة البارحة في ناحية من زرود، وقد أنشدني لامرئ القيس والنابغة وعبيد والأعشى، ولما فرغ من إنشاد قصيدة للأعشى قلت: لقد سمعت بهذا الشعر منذ زمن طويل, قال: للأعشى! قلت نعم, قال: فأنا صاحبه, قلت: فما اسمك؟ قال: مسحل السكران بن جندل.
وذكر مطرف الكناني أنه استمع إلى رجل من أهل زرود يقول: استمعت إلى لافظ بن لاحظ وهو ينشد:
قِفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ = بسقط اللوى بين الدخولِ فحومل
وشهرة زرود وصلت إلى الخلفاء والأمراء، فكان الرشيد إذا حج يسأل عن زرود، فإذا وصل إليها أقام بها واستمع إلى الشعر والشعراء فيتذاكر الشعر مع من يحضر مجلسه، وقد قال في زرود وهو يجتازها:
أقولُ وقد جُزنا زرودَ عشيّةً = وراحت مطايانا تؤمُّ بنا نجدا
على أهل بغدادَ السلامُ فإنني = أزيدُ بسيري عن بلادهم بُعدا
ذكر الميداني في كتاب الأمثال أن عبيد بن الأبرص سافر في ركب من بني أسد فبينا هم يسيرون إذا هم بشجاع (حيَّة) يتمعَّك على الرمضاء فاتحا فاه من العطش وكان مع عبيد فضلة من الماء، فنزل فسقاه، فلما انتعش انساب في الرمل، فلما كان في الليل ونام القوم ندَّت رواحلهم وتفرقت فلم يُرَ لها اثر فقام كل واحد يطلب راحلته فتفرقوا فبينا عبيد كذلك وقد أيقن بالهلكة والموت إذ هو بهاتف يقول له:
يا أيها الشخص المضل مذهبه = وليس معه من أنيس يصحيه
دونك هذا البكر خذه فاركبه = حتى إذا الليل توارى مغربه
بساطع الصبح ولاح كوكبه = فحط عنه رحله وسبسبه
فقال عبيد: يا ايها المخاطِب نشدتك الله إلا أخبرتني من انت؟
فأنشأ الهاتف يقول:
أنا الشجاع الذي ألفيتني رمضاً = والله يكشف ضر الحائر الصادي
فجدت بالماء لما ضن حامله = تكرما منك لم تمنن بإنكاد
الخير يبقى وإن طال الزمان به = والشر أخبث ما أوعيت من زاد
هذا جزاؤك مني لا أمُنُّ به = فاذهب حميدا رعاك الخالق الهادي
وها هو الأعشى (ميمون بن قيس) يذكر صاحبه من الجن في شعره فيقول:
وما كنت ذا خوف ولكن حسبتني = إذا مسحلٌ يسدي لي القولَ أنطقُ
شريكان في ما بيننا من هوادةٍ = صفيان إنسي وجن موفقُ
و يقول حسان بن ثابت –رضي الله عنه-:
ولي صاحب من بني الشيصبانِ = فطوراً أقولُ وطوراً هُوَهْ
فإنه يقرر ثلاثة أمور:
أولها أن له صاحباً غير إنسي، وثانيهما أن هذا الصاحب ينتسب إلى الشيصبان، وهو اسم للشيطان (وينو الشيصبان إما أن يكونوا أبناء جني يعرف بهذا الاسم أو يكون اسم قبيلة من قبائل الجن)، وثالثاً أن حسان وشيطانه يتناوبان القول فتارة يقول حسان وتارة يقول الشيطان.
ويمدح الفرزدق شعره من خلال مدحه شيطانه فيقول في قصيدة مدح بها أسد بن عبد الله القسري:
لَتَبلُغَن لأَبي الأَشبالِ مِدحَتُنا = مَن كانَ بِالغَورِ أَو مَروَي خُراسانا
كَأَنَّها الذَهَبُ العِقيانُ حَبّرها = لِسانُ أَشعَرِ أَهلِ الأَرضِ شَيطانا
وكذلك نجد جريراً يقول:
إني ليلقي عليَّ الشعرَ- مكتهلٌ- = من الشياطين إبليسُ الأباليسِ
وأيضاً قول الشاعر:
إنَّى وكلُّ شاعرٍ من البشرْ = شيطانُهُ أنثى وشيطاني ذكرْ
¥