[تعريف الإعجاز العلمي بالسبق هل هو دقيق في التعبير عن مضمونه؟]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[08 Jan 2008, 09:54 م]ـ
لا يفتأ من يقرأ في تقريرات العلماء في التعريفات = أن يجد حرصهم على دفع الإشكالات عنها، وعلى جعل المصطلح منطبقًا على مضمون القضية التي يتحدثون عنها، وقد قامت سجالات علمية في تحرير مططلحات العلوم، ولك أن تنظر في مصطلح (النحو) (أصول الفقه) (البلاغة) (التفسير) إلى غيرها من المصطلحات التي لا يخفى على طالب العلم ما دار حولها من النقاشات.
ولا يخفى على طالب العلم ما في تحرير مصطلح جديد من العناء والتعب، حتى يرى أنه لا يكاد يُوفَّق إلا فيه إلا بعد جهد جهيد، وعرض على كثير من العقول تختبره وتبلوه حتى يخرج حسنًا مقبولاً.
وطالب الحقِّ لا ينزعج من أن يُعترض عليه في تعريفه، بل أن يُنقض تعريفه؛ لأن الحقَّ مطلبُه وبغيته، ولا ينزعج من ذلك إلا قليل البضاعة في العلم أو ضيق النفس الذي لا يحتمل الصولة في العلم.
وإذا كان المطلوب من خُلقِه أن لا يكون كذلك، فمطلوب منه ـ أيضًا ـ أن لا ينزعج من عدم قبول انتقاده لأمر ما، وهذا هو ديدن طالب العلم في خلقه، ديدنه أن يكون قولُه محاطًا بصفتي (العدل والعلم)، فالعدل يقيه من أن يُعرِض عن الحقَّ إذا كان الحقُّ مع غيره، والعلم يقيه من الجهل الذي يُبعده عن معرفة الحق، وإن لم يتصف بهما كان كما قال الله تعالى: (وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً).
وإذا أتينا إلى تعريف الإعجاز العلمي كما رضيه المعتنون به، فإننا سنجد من تعريفاتهم:
1 ـ تقول الأمانة العامة لهيئة الإعجاز العلمي في كتاب (الإعجاز العلمي تأصيلاً ومنهجًا): (الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه سبحانه وتعالى). http://www.nooran.org/O/1/1O1.htm
2 ـ يقول الأستاذ الدكتور زغلول النجار: إن تعبير (الإعجاز العلمي للقرآن الكريم يُقصد به سبق هذا الكتاب العزيز بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من تنزل القرآن الكريم ... ) الموقع الرسمي للأستاذ الدكتور زغلول النجار ( http://www.elnaggarzr.com/?l=ar&id=877&cat=29)
وبين التعريفين تداخل، فإخبار القرآن نوع من السبق، وهو ما وقع التصريح به في التعريف الثاني، ومؤداهما واحد، فكلاهما يدَّعي وجود تلك القضايا من العلوم المكتسبة المعاصرة في القرآن (أو في السنة، حسب التعريف الأول)، والذين قرؤوه من الصحابة ومن بعدهم لم تظهر لهم هذه الحقائق، ثم ظهرت للمعاصرين، فكان إخبار القرآن بها سبقًا عندهم.
ويقع هاهنا سؤال:
هل يُعدُّ هذا سبقًا، وهل هذا السبق ـ لو صحَّ ـ إعجاز؟!
إننا بحاجة إلى تأمل هذا المعنى (السبق) الذي قام عليه تعريف الإعجاز العلمي، والنظر في دِقَّةِ مضمونه.
أين وجه السبق الذي يدَّعيه متعاطي الإعجاز العلمي؟!
إن حقيقة السبق تكمن في المجهود البشري البحت، وليس في ادِّعاء سبق القرآن للعلم المعاصر؛ لأن إدعاء السبق ظنِّي بلا ريب، ولا يمكن لأحد أن يجزم بأن هذه القضية المعاصرة تفسير وتأويل لآيةٍ ما.
وإنما يصحُّ إدعاء السبق في حالين:
الأولى: أن تكون الآية ظاهرة واضحة بلا نزاع في أن المراد منها ما اكتشفه العلم المعاصر، وفي هذه الحالة، فإن فهم السلف لها يُخرجها عن كونها لم تُكتشف إلا بالعلوم المعاصرة المكتسبة، ويبدو أنه إذا وُجد أمثلة من هذا النوع فإنها خارجةٌ عن كلام أهل الإعجاز العلمي.
الثانية: إذا قام الباحث المسلم باكتشاف القضية المعاصرة، ثم اكتشفها الكافر بعده، فتلك حقيقة السبق.
أما أن يُعلَّق السبق ـ وكذا دعوى الإخبار ـ على قضية ظنية (وهي الزعم بأن الآية تدل على هذا الاكتشاف المعاصر)، فتلك مشكلة علمية تحتاج إلى نظر وتأمُّل.
هل هناك فرق بين دلالة الآيات القرآنية ودلالة الأحاديث على المكتشفات المعاصرة؟
¥