[منهج الحكم على الآثار بين المفسرين والمحدثين]
ـ[ناصر الماجد]ــــــــ[19 Jan 2008, 09:39 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي الله، وبعد:
من المسائل العلمية المتعلقة بأصول التفسير، منهج الحكم على الآثار المروية عن السلف، والآليات المتبعة في ذلك، وفي ظني أنها من المسائل التي تحتاج إلى مزيد نظر وتأمل.
لقد وضع أئمة الجرح والتعديل، لقبول الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ضوابط منهجية في غاية الدقة والإتقان، وهي بحق أحد المآثر العلمية التي تفاخر بها الأمة الإسلامية.
ولقد كان الهدف من هذه الضوابط المنهجية المتعلقة بقبول الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ التثبت من صحة ما نسب إليه، ولهذا فقد كانت تتسم بالتشدد فيمن تقبل روايته، وما ذاك إلا أن الأمر يتعلق بالتكليف، إذ لا يجوز أن يكلف الناس إلا بما تحققنا ثبوته، أو غلب على ظننا ذلك، وفي مقولة ابن المبارك رحمه الله المشهورة ما يدل على ذلك، قال:" الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" قال الحاكم معقبا على هذه المقولة: "فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل البدع بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد"
وإذن فهذه القواعد والآليات العليمة الفنية المتشددة، خاصة بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وليس شي من المروي من كلام البشر له هذا الميزة التي لكلام النبي صلى الله عليه وسلم.
بل حتى إن بعض أهل العلم فرقوا في ذات كلام النبي صلى الله عليه وسلم، باعتبار موضوعه ومتعلقه، ومقولة الإمام أحمد مشهورة في ذلك يقول:" إذا رواينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا رواينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما أو يرفعه تساهلنا في الأسانيد" ومثل هذه المقولة رويت عن عبد الرحمن بن مهدي، وبعيدا عن الكلام الذي قد يقال عن هذه المقولة، فإنها تدل على الميزة الخاصة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن سائر حديث الناس.
ولهذا فإن منهج جرح الرجال وتعديلهم عند الأئمة روعي فيه هذا المعنى، فقد كانوا يردون الحديث عن النبي الذي إذا كان فيه راو ضعيف، مع اعتمادهم على ذات الراوي في الأخبار والسير، وهذا ابن حجر رحمه الله يقول عن سيف بن عمر" ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ" ويقول عن ابن إسحاق: " إمام في المغازي صدوق يدلس" فهو في حديث الني صلى الله عليه وسلم ضعيف إن لم يصرح بالرواية، وفي المغازي و الأخبار إمام حجة حتى إن مدار المغازي تدور عليه مع نفر قليل معه، ولو طبقنا المنهجي الحديثي لضاع علينا غالب السير والمغازي.
وهذا التمهيد يسلمنا إلى الكلام عن المنهجية التي يتبعها بعض الباحثين والمختصين في الدراسات القرآنية القائمة على نقد الروايات والآثار عن السلف في التفسير ولنسمها "الروايات التفسيرية" في مقابل "الروايات الحديثية" حيث نجد من يتعامل مع تلك الروايات التفسيرية وفق القواعد المتعلقة بالروايات الحديثية، وأصل هذا الخلل المنهجي يعود إلى الخلط بين الراويات وأنواعها، فجعلوا ما تعلق بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يبنى عليه الحكام والحلال والحرام، مساو لما يروى عن غيره فيما لا تعلق له بالأحكام.
وهذه المنهجية خطيرة العواقب والنتائج لو أخذت بإطلاق، فهي ولا شك تتضمن رد أكثر الروايات والآثار في التفسير والتاريخ، ولن يبق لنا منها إلا أقل القليل، وهذا فعلا ما وقع فيه بعض من كتب في أسانيد التفسير، حتى قرر بعضهم أن المروي عن الصحابة لا يصح منه إلا القليل النادر.
ومن أثار هذه المنهجية القدح في جل كتب التفسير وخصوصا الأثري منها، وهذا في حقيقة الأمر قدح في أحد الركائز المنهجية التي يعتمدها المفسر لفهم كلام الله ـ عز وجل ـ القائمة على اعتماد فهم السلف، ومن عجب أن هذه النتيجة هي ما يسعى إليها الاتجاه الحداثي المعاصر في قراءتهم للقرآن الكريم وفهمه.
وربما يصح أن يقول أصحاب هذا الاتجاه في الروايات التفسيرية: إن تلك الروايات فيها كلام يتعلق ببيان مراد الله تعالى ويجب علينا التثبت في ذلك، وهذا الكلام حق لا منازعة فيه، وإنما السؤال عن المنهجية الواجب اتباعها في ذلك.
¥