آية كريمة من كتاب الله تعالى: استخرجت منها إحداً وعشرين ضرباً من المحاسن
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[28 Jan 2008, 06:12 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
و أنا اطالع في كتاب: تحرير التحبير " وقفت على هذا الكلام فقلت لماذا لا أنقله الى اساتذتنا و اخوتنا الافاضل حتى يطلعوا عليه و يعلقوا عليه:
'' وما رأيت في جميع ما استقريت من الكلام المنثور والشعر الموزون كآية كريمة من كتاب الله تعالى: استخرجت منها إحداً وعشرين ضرباً من المحاسن، وهي قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} هود44.
وهي المناسبة التامة بين أقلعي وابلعي، والمطابقة بذكر الأرض والسماء، والمجاز في قوله " يا سماء " فإن المراد والله أعلم يا مطر السماء، والاستعارة في قوله " أقلعي "، والإشارة في قوله تعالى " وغيض الماء " فإنه عبر بهاتين اللفظتين عن معان كثيرة، والتمثيل في قوله تعالى " وقضي الأمر " فإنه عبر عن هلاك الهالكين ونجاة الناجين بلفظ فيه بعد عن لفظ المعنى الموضوع له، والإرداف في قوله تعالى: " واستوت على الجودي " فإنه عبر عن استقرارها بهذا المكان، وجلوسها جلوساً متمكناً لا زيغ فيه ولا ميل، بلفظ قريب من لفظ المعنى، والتعليل، لأن غيض الماء علة الاستواء، وصحة التقسيم إذ استوعب سبحانه أقسام أحوال الماء حالة نقصه، إذ ليس إلا احتباس ماء السماء، واحتقان الماء الذي ينبع من الأرض، وغيض الماء الحاصل على ظهرها.
والاحتراس في قوله تعالى: " وقيل بعداً للقوم الظالمين " إذ الدعاء يشعر بأنهم مستحقوا الهلاك احتراساً من ضعيف يتوهم أن الهلاك لعمومه ربما شمل من يستحق ومن لا يستحق فتأكد بالدعاء على الهالكين لكونهم مستحقين ذلك، والإيضاح في قوله "للقوم" ليتبين لهم أن القوم هم الذين سبق ذكرهم في الآية المتقدمة عليها، حيث قال تعالى: " وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " وفي قوله قبل ذلك " ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " فأتى سبحانه في آخر هذا الآية بلفظة القوم التي الألف واللام فيها للعهد ليبين أنهم القوم الذين سبق ذكرهم ووصفهم بالظلم كما وصفهم في أول الكلام بالظلم، وذلك مما يوضح المعنى ويبينه، فعلم أن لفظة القوم هاهنا ليست فضلة في الكلام، وأنها يحصل بسقوطها لبس في المعنى، وعدم بيان الكلام محتاج له، والمساواة، لأن لفظ الآية لا يزيد على معناها، وحسن النسق لأنه سبحانه عطف القضايا بعضها على بعض بحسن ترتيب حسبما ما وقعت وائتلاف اللفظ مع المعنى، لأن كل لفظة لا يصلح موضعها غيرها، والإيجاز لأنه سبحانه اقتص القصة بلفظها مستوعبة بحيث لم يخل منها بشيء في أخصر عبارة، والتسهيم، لأن أول الآية إلى قوله تعالى: أقلعي يقتضي آخرها، والتهذيب، لأن مفردات الألفاظ موصوفة بصفات الحسن كل لفظة سمحة سهلة، مخارج الحروف عليها رونق الفصاحة، مع الخلو عن البشاعة والتركيب، سليمة من التعقيد وأسبابه، والتقديم والتأخير والحذف المخل والزيادة المسهبة وحسن البيان من جهة أن السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام، ولا يشكل عليه شيء من هذا النظام، والتمكين، لأن الفاصلة مستقرة في قرارها، مطمئنة في مكانها، غير قلقة ولا مستدعاة، والانسجام، وهو تحدر الكلام بسهولة كما ينسجم الماء وينساب انسياب العليل من الهواء، وما في مجموع الآية من الإبداع وهو الذي سمى به هذا الباب من أن كل لفظة لا تخلو عن أن يستخرج منها ضرب أو ضربان من البديع، فهذه آية عدة ألفاظها سبع عشرة لفظة تتضمن إحدا وعشرين ضرباً من البديع غير ما يتعدد من ضروبها، فإن الاستعارة وقعت منها في موضعين: وهما استعارة الابتلاع للأرض، والإقلاع للسماء. والمجاز في مكانين، في قوله سبحانه " ويا سماء " وفي الإشارة والتمثيل والإرداف لأن المجاز مجازان: مجاز بالحذف، ومجاز بالتغيير، وقد وقعا معاً فانظر رحمك الله إلى عظمة هذا الكلام، لتعلم ما انطوى عليه نظمه، وما تضمنه لفظه.
تحرير التحبير في صناعة الشعر '' فصل باب الابداع '': ص 137.
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[29 Jan 2008, 03:14 م]ـ
جزاك الله خيراً وأثابك على حسن النقل
وكتاب الله تعالى لا تنقضي عجائبه ومن عجائبه: العجائب البلاغية الشاملة للمعاني والبيان والبديع
على أحسن الوجوه وأبعدها عن التكلف
وأكثر ما وقفت عليه من تعداد الفوائد البلاغية لآية من آيات الكتاب العزيز رسالة للسيوطي أسماها
فتح الرب الجليل للعبد الذليل
عدد فيها مائة وعشرين فائدة بلاغية من قوله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ... ) الآية