[تحولات الأفعال في السياق القرآني وأثرها البلاغي]
ـ[د عبدالله الهتاري]ــــــــ[02 Mar 2008, 08:14 ص]ـ
ملخص البحث:-
لقد جاء هذا البحث ليقف على صور التحولات التي تقع في صيغ الأفعال في السياق القرآني، وذلك بالتحول من الفعل الماضي إلى المضارع أو العكس، وكذلك التحول من الماضي إلى الأمر ومن الأمر إلى الماضي، وهكذا في السياق نفسه.
وهذه التحولات للأفعال في السياق القرآني الواحد لها أبعاد بلاغية، ومقاصد بيانية يعمد إليها النظم القرآني، وتكشف عن وجه من وجوه الإعجاز البياني في القرآن الكريم.
و قد تتبع الباحث أشكال هذه التحولات في الأفعال كاشفا عن دلالات هذه التحولات ومحللا لهذه المواضع في الآيات القرآنية.
ولا يقف الباحث عند حدود التعليل النحوي فقط بل يتجاوزه إلى التعليل البلاغي والتحليل البياني، محاولا من خلال ذلك ربط التركيب بالمعنى والوقوف على دلالات أزمنة الأفعال من خلال السياق القرآني، وعدم الاقتصار على الدلالة الصرفية للأفعال خارج السياق.
وقد تكون البحث من مقدمة ومبحثين عرضت في المقدمة لأهمية الموضوع ودواعي دراسته، وفي المبحث الأول عرضت لصيغ الأفعال عند النحاة وفي المبحث الثاني تناولت صور التحولات في الأفعال كاشفا عن أثرها البلاغي في البيان القرآني.
مقدمة البحث:-
الحمد لله الذي علم الإنسان، وانزل كتابه للهداية والبيان، وأصلي وأسلم على خير رسله وأنبيائه، محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الأخيار، ومن سار على درب خطاهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
وبعد:-
فالقرآن الكريم كتاب الله الذي لاتنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء وكلما أمعن المتأملون النظر فيه والفكر وجدوا أنفسهم أمام بحر من المعاني لا ساحل له،
فمعانيه متجددة حية، تتجدد بتجدد الزمان والمكان، ومع كونه معجزة بيانية خالدة هو- مع ذلك- معجزة تشريعية ربانية، لذلك انصرفت إليه جهود علماء اللغة والبيان لمعرفة أساليبه وبلاغة بيانه، فهو كتاب العربية الأول والبيان الخالد.
والمقصود بتحولات الأفعال في السياق القرآني هو التحول الحاصل من إعادة ذكر الفعل على نسق مخالف لما سبق ذكره في السياق نفسه، وهذه الظاهرة من أبرز الظواهر الأسلوبية في التعبير القرآني.
إذ نجد التعبير القرآني كثيرا ما يغاير في استعمال الأفعال كأن يرد السياق ابتداء بالفعل الماضي ثم يتحول عنه إلى المضارع أو الأمر في السياق نفسه، وكذلك العكس بأن يرد الفعل في السياق مضارعا ثم يتحول عنه إلى الماضي وهكذا.
من ذلك مثلا قوله تعالى"?وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ? [الأعراف، 170]؛ إذ نجد التعبير القرآني قد عدل عن الفعل المضارع (يمسكون) إلى الماضي (أقاموا)، وقد كان المتوقع لدى المتلقي اطراد السياق على سبيل المطابقة في الأفعال فيكون (يمسكون … ويقيمون)
أهمية الموضوع ودواعي دراسته:
هذه التحولات في السياق القرآني، تفاجئ المتلقي وتثير دهشته؛ لخروجها عن المتوقع لديه من اطراد السياق على نمط واحد من المطابقة والمشاكلة، مما يدعو ذلك المتلقي البحث عن مثيراتها السياقية، وأبعادها الدلالية.
لذلك حاول هذا البحث الوقوف على صور هذه التحولات وأثرها البلاغي في التعبير القرآني، فهذه ظاهرة نحوية بلاغية، تبرز وجهاً من وجوه الإعجاز البياني في القرآن، وتدلل على ما وهب المولى عزوجل هذه اللغة، لغة التنزيل من إمكانات عديدة، وقدرات فائقة في التصرف في التعبير، والتعدد في الدلالات.
وهذا الموضوع لم يحظ بدراسة قديما و حديثا تتناول أشكاله ودلالاته في القرآن الكريم حسب علمي المتواضع، غير ما نجده من إشارات عابرة عند البلاغيين والمفسرين مبثوثة هنا وهناك، ويمكن أن ندخله ضمن ما أسماه علماء البلاغة قديما بالالتفات، غير أن الالتفات مصطلح قصد منه البلاغيون التحولات الحاصلة في الضمائر من غيبة إلى مخاطب والعكس، وقد وسع ابن الأثير مصطلح الالتفات ليشمل أيضا الالتفات في الأفعال كما أشار إلى ذلك في كتابه الشهير "المثل السائر"
¥