تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لغة العرب أم لغة القرآن؟ - أ. د. خالد الصمدي]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[01 Feb 2008, 03:06 م]ـ

أربعة مواقف متباعدة في الزمان والمكان وحّدتها الفكرة والعبرة، وشكلت صورة مكتملة تسمح باستنتاجات وخلاصات جيدة تستند إلى واقع الممارسة في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بالعربية من طرف مدرّسي وموجّهي هذه المادة في البلاد غير العربية، كما تستند إلى معايشة ميدانية في دورات تدريبية أُقيمت ببعض هذه البلدان.

أول هذه المواقف ذاك المشهد الرائع الذي لن ينساه طلبة كلية الآداب بتطوان بالمملكة المغربية سنة 1993 حين أعلن مستشرق روماني جاوز السبعين من عمره إسلامَه بمدرج العلامة "عبد الله كنون" مقتنعا بعظمة القرآن الكريم، وهو الذي اشتغل به وعايشه ثلاثين سنة يحاول ترجمته، وأقرّ في نهاية الأمر أن ذلك مستحيل، معززا استنتاجه بشواهد علمية. وقد استمع إلى نتائج وخلاصات جهوده، وخلاصات جهود أكثر من عشرين باحثا ومترجما شاركوا في الندوة الدولية في موضوع ترجمة معاني القرآن الكريم التي نظمت بالكلية، وانتهى التفكير بالرجل إلى أن نقر في ليلة من ليالي الندوة نقرات خفيفة على باب غرفة الدكتور فاروق حمادة بالفندق في غسق الليل، سائلا عن طريقة الدخول في الإسلام، وبقي الرجل مشدوها أمام بساطة الإجراءات التي لا تتعدى غسلا مسنونا والنطق بالشهادتين، وفي فرح طفولي سارع الشيخ إلى غرفته ولم يغمض له جفن ليلتها فرحًا بعد أن نطق بالشهادتين، واختار لنفسه من الأسماء "البشير" وبات ليلته الأولى مسلما عن اقتناع، وكان أن زف الخبر للحاضرين صباحا في الجلسة العلمية الأولى من اليوم الثالث للندوة، تحت أصوات مكبرة وحالات من التأثر والفرح ظاهرة.

أما الموقف الثاني فقد جرى بأقاصي بلاد الله بعاصمة دولة "قِرغِيزسْتان" سنة 1997 وفي مسجد عظيم البناء والزخرفة بالعاصمة "بِيشْكك". هذا البلد (لمن لا يعرفه) ذو أغلبية مسلمة بنى أهله ألف مسجد في جميع أنحاء البلاد في ظرف خمس سنوات من الاستقلال، بعد أن كان الشيوعيّون قبل الاستقلال لا يسمحون ببناء أيّ مسجد جديد، بل ولا يسمحون حتى بترميم القائم منها والذي أصبح آيلا للسقوط. وسمعتُ من ابن مفتي البلد وقتها أنّ السلطات كانت تمنع من يقل سنه عن الأربعين من الذهاب إلى صلاة الجماعة، وكان ابن المفتي وبعض من صحبه يتسللون إلى المسجد في غسق الليل ليأخذوا اللغة العربية والعلوم الإسلامية عن الإمام الذي لم يكن سوى أبيه المفتي الذي أصبح اليوم طاعنا في السن.

شرّفني هذا الابن وبحضور أبيه شاهد العصر، الحاضرِ بين المصلين في مكان خاص به، بإلقاء كلمةٍ في المصلين قبل خطبة الجمعة، فسررت بذلك، والتزم فضيلته بالترجمة، وما إن شرعت في حمد الله والصلاة على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم باللغة العربية حتى فوجئت بعشرات العيون تذرف الدموع، ولما أتممتُ كلمتي سألت فضيلة المفتي عن سر ذلك فقال لي: "إن هؤلاء حين يسمعون أحدا يتكلم اللغة العربية فإن أعينهم لا ترى فيه إلا صحابيا جليلا قدم للتو من أرض الرسالة، وربما يتخيلون من فرط الشوق أن يدَه لامست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ثم أردف قائلا: "ثم إنهم يقولون إنكم معشر العرب إن لم تقوموا بواجبكم في نشر الإسلام ليعذبنكم الله تعالى مرتين، أولاهما لأنكم موقنون برسول بعث منكم وبين أحضانكم، والثانية لأنكم تقرؤون القرآن بلغته التي أُنزل بها وبدون واسطة وهو ما يتيح لكم فهمه وتدبره حين يحرمون هم من ذلك".

وقد تركتُ بهذا البلد رجلا مسلما متقاعدا من الجيش الروسي اشتغل مستشارا عسكريا في سوريا في السبعينات، ويدرس اللغة العربية ساعتها بجامعة قِرغيزستان، يشتغل بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة القِرغيزية، وأهداني مشكورا جزءً من هذا العمل، ولست أدري هل أتَمّه أم لا، وكل رجائه أن تسارع منظمة إسلامية إلى طبع عمله عند الانتهاء منه، أسأل الله تعالى أن يحقق أمله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير