[وقفات مع تفسير ابن عطية الأندلسي (1)]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[11 Jan 2008, 10:52 م]ـ
المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز، لابن عطية الأندلسي (ت: 542).
عندما يختار مفسر عنوانًا لكتابه، ويأتي مضمونه مطابقًِا لهذا العنوان، فإنه يدل على براعة في اختيار العنوان ومطابقة المضمون له.
والإمام عبد الحق بن غالب بن عطية الغرناطي، أبو محمد، المتوفى سنة 542 للهجرة النبوية ألف كتابه (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)، وقد بدأ كتابه بمقدمة علمية تشتمل على عدد من مسائل علوم القرآن المهمة، وعلى منهجه في هذا التفسير، وعلَّق على تفسير بعض المفسرين تعليقًا مجملاً.
ومن لطائف عباراته في هذه المقدمة العلمية:
المقطع الأول:
((وقصدتُ أن يكون جامعًا وجيزًا، لا أذكر من القصص إلا مالا تنفكُّ الآية إلا به، وأثبتُّ أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم على ما تلقى السلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ كتاب الله تعالى من مقاصده العربية، السليمة من إلحاد أهل القول بالرموز، وأهل القول بعلم الباطن، وغيرهم، فمتى وقع لأحد من العلماء الذين قد حازوا حسن الظن بهم لفظٌ ينحو إلى شيء من أغراض الملحدين نبَّهت عليه)) المحرر الوجيز الطبعة الثانية قطر (1: 9).
1 ـ أقول: إن هذا القولَ من الإمام يدل على أن هدف التأليف ومقصده كان واضحًا له منذ البداية، لذا جاء التفسير على حسب ما ذكره، فكان جامعًا لعلوم التفسير وأقاويل المفسرين على طريق الوجازة.
2 ـ وقوله: ((لا أذكر من القصص إلا مالا تنفكُّ الآية إلا به)) هذا هو أحد المناهج التي اتخذها العلماء في عرض قصص القرآن من خلال تراث السابقين كالقصص الإسرائيلية المأخوذة عن بني إسرائيل، وإن كان ـ رحمه الله ـ الغالب عليه هو هذا المنهج، إلا أنه قد يورد اختلاف المفسرين في مقطع من المقاطع، ومن ذلك:
تفسيره لقوله تعالى: (ويصنع الفلك)، قال: ((التقدير: فشرع يصنع، فحكيت حال الاستقبال، إذ في خلالها وقع مرورهم.
قال ابن عباس: صنع نوح الفلك ببقاع دمشق وأخذ عودها من لبنان وعودها من الشمشار وهو البقص. وروي أن عودها من الساج وأن نوحاً عليه السلام اغترسه حتى كبر في أربعين سنة؛ وروي أن طول السفينة ألف ذراع ومائتان، وعرضها ستمائة ذراع، ذكره الحسن بن أبي الحسن وقيل: طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعاً، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً، ذكره قتادة، وروي غير هذا مما لم يثبت، فاختصرت ذكره)) تفسير سورة هود (آية: 38).
3 ـ قوله: ((وأثبتُّ أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم على ما تلقى السلف الصالح)).
أقول: قديمًا قيل: إن من بركة العلم أن تضيف الشيء إلى قائله. وقد اعتمد ابن عطية هذا الأصل في تفسيره، لذا تراه ينسب الأقوال إلى قائليها.
4 ـ القول بالرمز:
قال: ((السليمة من إلحاد أهل القول بالرموز، وأهل القول بعلم الباطن، وغيرهم، فمتى وقع لأحد من العلماء الذين قد حازوا حسن الظن بهم لفظٌ ينحو إلى شيء من أغراض الملحدين نبَّهت عليه)).
وقد ذكر بعض الأمثلة في تفسيره ونقدها، ومن ذلك قوله:
((وحكى النقاش عن جعفر بن محمد قولاً: أن «الورقة» يراد بها السقط من أولاد بني آدم، و «الحبة» يراد بها الذي ليس يسقط، و «الرطب» يراد به الحي، و «اليابس» يراد به الميت، وهذا قول جار على طريقة الرموز، ولا يصح عن جعفر بن محمد رضي الله عنه، ولا ينبغي أن يلتفت إليه
قال القاضي أبو محمد: وروي عن ابن عباس أنه قال: قوله تعالى: {أنزل من السماء ماء} يريد به الشرع والدين. وقوله: {فسالت أودية}: يريد به القلوب، أي أخذ النبيل بحظه. والبليد بحظه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول لا يصح - والله أعلم - عن ابن عباس، لأنه ينحو إلى أقوال أصحاب الرموز، وقد تمسك به الغزالي وأهل ذلك الطريق، ولا وجه لإخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب لغير علة تدعو إلى ذلك، والله الموفق للصواب برحمته، وإن صح هذا القول عن ابن عباس فإنما قصد أن قوله تعالى: {كذلك يضرب الله الحق والباطل} معناه: {الحق} الذي يتقرر في القلوب المهدية، {والباطل}: الذي يعتريها أيضاً من وساوس وشبه حين تنظر في كتاب الله عز وجل.
¥