تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[علل الأقوال]

ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[23 Jan 2008, 08:37 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما يحب أن يحمد، ويُثنَى عليه ويمجَّد، فهو أهل الحمد والثناء والمجد

والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد:

فإن مما ينبغي أن يعتني به طالب التحقيق جمع أقوال العلماء وترتيبها تأريخياً لتتبين له علل الأقوال ويعرف منشأ الخطأ إن وجد، وكيف سرى وانتشر، وكيف تداول العلماء تلك المسألة في كتبهم.

وقد سئل ابن المديني كيف تعرفون علة الحديث؟

فقال: إنما تعرف العلة بجمع الطرق.

وصدق رحمه الله،

وهذا الأمر لا ينحصر تطبيقه على علل الحديث، بل هو عام في جميع العلوم.

ومعرفة العلل وإدراكها ليس سحراً ولا كهانة ولا تنجيماً، وليس أمراً خارقاً للعادة، بل هو ممكن لمن تعلم هذا العلم من وجهه، وتعلم كيف يكتشف الأقوال الخاطئة، ويناقشها، وينقدها، ويبين القول الصحيح بأدلته.

والأمة بحاجة ماسة إلى عدد من هؤلاء، لتحقيق العلم كما ينبغي وتنقيته من شوائب الأقوال الخاطئة، وهذا مما يعين على تيسير تعليم العلم النافع وتقريبه للعامة، وطلاب العلم المبتدئين، فينتشر بذلك العلم، ويزداد الإيمان في الأمة، فيرفعها الله عز وجل ويعلي شأنها.

وعوداً على بدء فإن عدم مراعاة تأريخ الأقوال قد يوقع الباحث في أوهام وأخطاء لكثرة ما يرى من تداول الأقوال الخاطئة، ولثقته بنقل الناقلين لها، وما يلتمسه بعضهم لها من الحجج التي ربما يظنها غير المحقق صحيحة، وهي عند التحقيق فاسدة.

وعلل الأقوال إنما تدرك بجمعها، ومعرفة منشئها، وكيف تداولها العلماء، ومنشأ الخطأ فيها وكيف تدرج وقوعه.

وسأضرب لكم مثالاً جلياً في هذا الباب:

ففي قراءات قوله تعالى: (عم يتساءلون)

إذا وقف يعقوب الحضرمي وابن كثير (في رواية البزي) على {عم} وقفوا على هاء ساكنة، عوضاً عن ألف ما الاستفهامية المحذوفة، وإذا وصلوا قرأوها بدون هاء، ولذلك نظائر عندهما.

وهذا أمر معروف عند علماء القراءات لذلك لم يذكروا غيره.

وشاعت قراءة خاطئة ذكرها بعض المفسرين وغيرهم وهي القراءة بالهاء وصلاً ونسبوها لابن كثير المكي رحمه الله

حتى أدرجها الخطيب في معجم القراءات.

وسأترككم مع تأريخ هذه المسألة ثم أعقب بذكر بعض الفوائد

وأرفقت مع الموضوع ملخصاً لما ذكره العلماء في قراءات هذه الآية، منسقاً بالوورد، لغرض التقريب والتيسير.

قوله تعالى: (عم يتساءلون)

القراءات:

القراءة الثالثة: (عمه) وقفاً ووصلاً

تنبيه:

قلت: (وَرَدَ فِي بعضِ التَّفَاسِيرِ نسبةُ هذِه القراءَةِ لابنِ كَثِيرٍ، وَهِيَ لا تَصِحُّ عنه، ولِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ القِرَاءَاتِ، وَإِنَّما الذي صَحَّ عَنْهُ -كَمَا تَقَدَّم -أَنَّه قَرَأَ بهَا فِي حَالِ الوقفِ، وَذَلكَ أَنَّ مِن أُصُولِهِ إِبْدالَ ألفِ (ما) الاستفهامِيَّةِ المجرورةِ هاءً عندَ الوقفِ لا الوصلِ.

أّمَّا القراءةُ بالهاءِ وَصْلاً فلا أَصْلَ لها، وَمَنشأُ الخطأِ تَسَاهُلُ بَعْضِ المفَسِّرِينَ في النَّقْلِ باختصارِ مُخِلٍّ أَدَّى ببعضِهِم إِلَى إِطلاقِ القَولِ بنسبةِ هذِه القراءَةِ لابنِ كثيرٍ في حالِ الوَصْلِ).

بيان تدرج وقوع الخطأ في نسبة هذه القراءة لابن كثير رحمه الله

قالَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالويه (ت:370 هـ): ((عَمَّهْ يَتَسَاءَلُونَ) بِالْهَاءِ وَالسُّكُونِ؛ ابْنُ كَثِيرٍ). [مختصر شواذ القراءات:167]

قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت:538هـ): (وعنِ ابنِ كَثيرٍ أنه قَرَأَ: (عَمَّهْ) بهاءِ السَّكْتِ، ولا يَخْلُو: إمَّا أنْ يُجْرِيَ الوصلَ مَجْرَى الوَقْفِ، وإمَّا أنْ يَقِفَ ويَبْتَدِئَ: {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}). [الكشاف: 6/ 294]

قالَ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (وعن ابنِ كثيرٍ أنه قَرَأَ (عَمَّهْ) بهاءِ السكْتِ، ولا يَخْلُو إما أن يُجْرِيَ الوصْلَ مَجْرَى الوَقْفِ، وإما أن يَقِفَ ويَبتدئَ بـ {يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ}). [مفاتيح الغيب: 31/ 3]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير