[المعافى بن زكريا الجريري (303 ـ 390) وكتابه (البيان الموجز عن علوم القرآن المعجز)]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[15 Feb 2008, 06:47 م]ـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد كنت قرأت كتاب (الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي) قديمًا، وقد أخرجت بعض فوائدة (1)، فرأيت أن الرجل ممن أوتي حظًّا في علوم القرآن، لكنه مغمور غير معروف، فرأيت أن أكتب عنه في هذا الموضوع من خلال كتابه هذا.
ولعلي أن أكون قد نبهت طالبًا يبحث عن موضوع إلى هذا العَلَمِ البارز في العلم كما تُبين عن ذلك مؤلفاته وتعليقاته في هذا الكتاب.
وأبتدئ فأقول:
ولد يوم الخميس لسبع خلون من رجب سنة (305)، وقيل: (303)، وتوفي سنة (390).
ينتسب إلى النهروان، وهي كورة بين بغداد وواسط، وله في ذلك خبر طريف ذكره ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان: ((قال أبو عبد اللهَ الحميدي قرأت بخط أبي الفرج المعافى بن زكرياءَ النهرواني القاضي قال حججت سنة فكنت بمنى أيام التشريق إذ سمعت منادياً ينادي يا أبا الفرج. فقلت في نفسي: لعله يريدني. ثم قلت: في الناس خلق كثير ممن يكنى أبا الفرج، فلعله يريد غيري، فلم أجبه.
فلما رأى أنه لا يجيبه أحد نادى: يا أبا الفرج المعافى، فهممتُ أن اجيبه، ثم قلت: يتفق من يكون اسمه المعافى وكنيته أبو الفرج، فلم أجبه.
فرجع ونادى: يا أبا الفرج المعافى بن زكرياء النهرواني. فقلت: لم يبق شكٌّ في مناداته إياي إذ ذكر اسمي وكنيتي واسم أبي وما أنسب إليه. فقلت له: ها أنا ذا ما تريد؟
فقال: ومن أنت؟!
فقلت: أبو الفرج المعافى بن زكرياءَ النهرواني.
قال: فلعلك من نهروان الشرق؟
قلت: نعم.
قال: نحن نريد نهروان الغرب.
فعجبت من اتفاق الاسم والكنية واسم الأب وما انسب إليه، وعلمت أن بالمغرب موضعاً يعرف بالنهروان غير نهروان العراق)) (معجم البلدان 4: 850).
طلبه للعلم:
وقد ذكر في كتابه (الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي) تاريخًا يبين أنه بدأ طلب العلم صغيرًا، فقد أرَّخ تلقيه لحديث بسنة (314)، ويكون سنه في التاسعة أو في الحادية عشر ـ حسب الاختلاف في سنة ولادته ـ أثناء تلقيه العلم.
قال المعافى: ((حدثنا محمد بن حمدان بن سفيان الطرائفي سنة أربع عشرة وثلثمائة قال: حدثنا محمد بن العباس التنيسي، قال: حدثنا عمر بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد الله الدمشقي، عن الأصبغ، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً: " صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب ")). (الجليس الصالح 1: 233).
ويظهر أن والده زكريا قد اعتنى به، ووجهه إلى العلم صغيرًا،فوالده كان من العلماء، وكان يُعرف بابن طرارة، وقد حدَّث عن أحمد بن علي البربهاري، وأحمد بن يحيى الحلواني، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن محمد بن منصور الحاسب.
ويظهر حرص أبيه عليه في دفعه للتلقي عن كبار أهل العلم في عصره، فقد روى عن علي بن سليمان المعروف بالأخفش الصغير (ت: 315)، وعبد الله بن أبي داود السجستاني (ت: 316)، ووأبي القاسم البغوي (ت: 317)، ويحيى بن صاعد (ت: 317)، والحسن بن زكريا (ت: 319)، وغيرهم كثيرون ممن روى عنهم ولقيهم وأخذ منهم رحم الله الجميع (2).
شهرته بالجريري:
إن نسبة (الجريري) ترجع إلى اتخاذه مذهب إمام المفسرين: محمد بن جرير الطبري (ت: 310)، ومن شدة تعلقه بابن جرير الطبري تراه يلقبه بـ (شيخنا)، وإن كان حضر شيئًا من مجالس الطبري فإنه سيكون عمره خمس سنين أو سبع سنين، وإن لم يكن لقيه فإنه قد قرأ كتبه وتفقَّه بها، واقتنع بهذا الإمام حتى انتسب إليه، ولا بخفى على من عرف شيئًا من عبارات ابن جرير في كتبه؛ لا يخفى عليه تأثر المعافى بها؛ لظهور استخدامه لها.
ومن تلك المواطن ـ من كتاب الجليس الصالح ـ التي يحتفي بها بابن جرير الطبري (ت: 320)، قوله:
¥