[مفهوم الاجتهاد عند ابي بكر بن العربي المالكي]
ـ[أحمد أمحرزي علوي]ــــــــ[23 Feb 2008, 09:11 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم الاجتهاد عند ابن العربي وضوابطه ومظاهره
الدكتور أحمد أمحرزي علوي
كلية الاداب مراكش المملكة المغربية
مقدمة:
إن من سعادة الأمة أن يكون لديها من العلماء وأهل الفكر والنظر طائفة مهتمة يختص عملها بتنوير عقول الناس بالمعارف الحقة، وتحليتها بالعلوم الصافية بكمال الدقة، لا ينون في تبيين طرق السعادة وموادها، ولا يألون جهدا في السلوك بهم في جوادها، ذلك أنه إذا لم يكن في الناس معلم حكيم، قصرت العقول عن درك ما ينبغي لها دركه من التقويم، وانقطعت دون الكفاية مما يلزم لسد ضرورات الحياة الأولى، والاستعداد لما يكون في الأخرى.
وإذا كان الذين ينيرون الطريق أمام المسلمين ويبلغون عن رب العالمين ورسوله الأمين، إنما يقومون بفرض الكفاية عن الأمة، فقد قرر إمام الحرمين الجويني وغيره من علماء الإسلام أن ثواب فرض الكفاية أفضل من ثواب فرض العين لأن القيام به يسد مسد الأمة ويرفع عنها الحرج.
وإن من أنفس ما يصرف فيه الوقت، وترقى الى معرفته الهمم، وتشرئب إليه النفوس، وتتطلع إليه العقول، علم الشريعة الإسلامية وفقهها، إذ به قوام حياة الأمة أفرادا وجماعات، وبفضله تحقق الأمة مفهوم الخيرية التي اختصت بها في قوله تعالى:) كنتم خير أمة أخرجت للناس (وقوله r : ( من يرد الله بن خيرا يفقهه في الدين) وفقه الدين هو الادراك الشامل والمحكم لنصوص الشرع، وتنزيلها على الواقع والنوازل والأحداث، بما يحقق مصالح المكلفين، ويقيم العدل الذي لأجله قامت السماوات والأرض.
وقد قال ابن الجوزي رحمه الله:" أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر الى ثمرته، ومن تأمل ثمرة الفقه علم أنه أفضل العلوم… وأنه عز الدنيا والآخرة ".
ومن رحمة الله بهذه الأمة، أنه لم يحصرها في نصوص معينة، بل أرشدها إلى إلحاق الفرع بأصله، والنظير بنظيره، على مر العصور والأزمان، وجعل ذلك من أوجب الواجبات وآكد القربات، ورتب عليه الأجر في الدنيا والآخرة قال
صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران" وقيل عشرة أجور" وإذا أخطأ فله أجر واحد).
يقول ابن القيم رحمه الله:" إن شريعة الله كاملة، مطابقة للعقل والحق والعدل، فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلته وأسفر صبحه بأي طريق كان، فذلك من شرع الله ودينه، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد، ولكن بين أن مقصوده إقامة الحق والعدل بأي طريق كان ".
ومن ثم يعتبر فقه المجتمع و البصر بالواقع موازيا لفقه النص، وبدون فقه المحل ومعرفة الاستطاعة بشكل علمي وموضوعي وتقدير الزمان والمكان فسوف تستمر المجازفات وهدر الطاقات والعبث بالأحكام الشرعية ولو عن حسن نية، فلا يمكن أن يسمى فقيها حامل النصوص فقط لأن فقه أبعاد التكليف قسيم فقه النص ومكمل له فلا فقه لنص بلا فقه لمحله، ومحل النص هو النزول الى الميدان وإبصار الواقع الذي عليه الناس ومعرفة مشكلاتهم ومعاناتهم واستطاعتهم و معرفة أعرافهم وعاداتهم وما يعرض لهم من نوازل وقضايا وما هي النصوص التي تنزل عليهم في واقعهم في مرحلة معينة وما يؤجل من التكاليف لتوفير الاستطاعة. وهذا ما اصطلح عليه ابن القيم رحمه الله بصحة الفهم وحسن القصد حين قال: وصحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما.
ولا يتحقق حسن القصد الا بنوعين من الفهم، أحدهما فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات حتى يحيط به علما. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يضيف أحدهما على الآخر، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتبصر فيه الى معرفة حكم الله ورسوله.
¥