[تناغم اللفظ والمعنى في سورة القيامة!]
ـ[مهند شيخ يوسف]ــــــــ[05 Feb 2008, 03:02 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله!
هذا بحث مختصر لطيف كتبه أحد الإخوان باجتهاده في ملتقى الصراط الخاص بطلاب العلم في فلسطين المحتلة (1948):
موضوعي اليوم يدور حول الملحظ الصوتي في فواصل الآيات القرآنية .. واخترتُ لكم بالتحديد فواصل سورة القيامة .. فهذه السورة تتألّف من أربعين آية قصيرة، تدور معانيها حول موضوع رئيسيّ واحد هو يوم القيامة ..
ولقد استعمل القرآن طائفة من الألفاظ في فواصل هذه السورة، واختار أصواتها بما يتناسب مع أصدائها، فكانت دالّة على ذاتها بذاتها ..
فتأمّل معي اختتام كلّ آية من آيات مطلعها بالهاء الساكنة حين الوقف عليها:
القيامهْ، اللوامهْ، عظامهْ، بنانهْ، أمامهْ، القيامهْ
تجد أنّها تحمل في طيّاتها معاني الآيات بدقّة متناهية .. فالوقف على الهاء الساكنة، يوحي بالنَّفَس اللاهث المتقطّع السريع، وهو يدلّ على مناخ يوم القيامة الذي ينبهر له البصر، وتتقطّع له النفس وتلهث خوفاً وهلعاً ..
وتأمّل حرف الراء الساكنة حين الوقف عليه في الزمرة الثانية من الآيات:
البصرْ، القمرْ، المفرّْ، وزرْ، المستقرّْ، أخّرْ
تجد أن ّهذا الحرف ينتج عنه ذبذبة اللّسان، وهو بذلك يشبه حركة الركض السريع، ممّا يوحي بمحاولة الركض للهرب من أهوال يوم القيامة، كما أنّه يوحي بالاضطراب الشديد الذي يسود الكون في يوم القيامة ..
وعندما تصل السورة إلى حالة الاحتضار التي يقع فيها الكافر، فإنّ الفاصلة تختتم بحرف القاف:
التراقي، راق، الفراق، بالساق، المساق
إنّ حرف القاف هذا يصدر من أعماق الحلق، وهو بذلك يوحي بالضيق والاختناق ممّا يدلّ على حالة الاحتضار التي تتلجلج فيها الروح في الجسم، وتُنتزع منه انتزاعاً .. ومن مراحل ذلك وصول الروح إلى الحلق حين يشعر المحتضر بالكرب العظيم لمفارقته لهذه الدنيا، وبسبب التقريع الذي يسمعه من ملائكة الموت، ومن صوت ضميره الذي يلومه ويخاطبه قائلاً: ها أنت تغادر حياتك فلا صدّقت ولا صلّيت ولكن كذّبت وتولّيت، ثم ذهبت إلى أهلك تتمطّى "أولى لك فأولى" ..
وعندما تصل السورة إلى ذكر حالة الكافر في الدنيا من عدم استجابته إلى الدين الحقّ، وإيثاره التكاسل والتباطؤ والإخلاد إلى الراحة البدنية على العمل الدؤوب والجهاد المتواصل، تتغيّر الفاصلة إلى اللام المشدّدة، أو الطاء المشدّدة الممدودتين، بالألف بعدهما:
صلّى، تولّى، يتمطّى
وهذان الحرفان بما فيهما من تشديد ومدّ يدلاّن على التثاقل والتكاسل والإهمال للحقّ والإعراض عنه ..
وبالجملة فإنّ استخدام حروف الفاصلة بهذه الصورة للدلالة على معاني الآيات وتأكيدها، هو توفيق بديع وسرّ عجيب من أسرار القرآن المجيد ..
والحمد لله رب العالمين ..