[تأملات حول سورة طه]
ـ[محمد إبراهيم العبادي]ــــــــ[08 Jan 2008, 12:29 ص]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد.
لا شك أن تدبر القراّن من أعظم القربات إلى الله عز وجل، ومن أثمن ما تنفق فيه الأوقات، وتفنى فيه الأعمار، ومن إعجاز القراّن العظيم أنه لا تفنى عجائبه فكلما قرأته لاحت لك معانٍ جديدة، وكأنك تقرأ لأول مرة! و لا عجب أن يكون كلام الله عز وجل كذلك.
وهذه بعض الخواطر التي لاحت لي أثناء قراءتي لسورة طه - وهي من أكثر السور التي أحببتُها منذ صغري - أردتُ أن أضعها بين يديكم؛ لعلها تكون فيها فائدة ينتفع بها، أو خطأ فأنبه عليه شاكرا من نبهني، مع التذكير أن معظم ما أذكره - إن لم يكن كله - قد أخذته عن علمائنا إما من قدماء المفسرين، أو من المشايخ الذين أتعلم منهم التفسير كالدكتور محمد إسماعيل المقدم حفظه الله والأستاذ الدكتور عبد البديع أبي هاشم حفظه الله وغيرهما.
وقد وضعت هذه التأملات على هيئة عناصر موضوعية أذكر تحتها الاّيات الكريمة التي وردت في هذا العنصر من هذه السورة المباركة، فالله الموفق.
1 - الجزاء من جنس العمل:
أ -" قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) "
فكما أن السامري مس ما لا يحل له من أثر الرسول جبريل عليه السلام عوقب بأنه لا يَمس أحدا و لا يمسه أحد.
ب - "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) "
فكما أنه تعامى عن اّيات الله في الدنيا حشر يوم القيامة أعمى، وكما أنه ترك اّياتِ الله عز وجل في الدنيا سيترك في النار يوم القيامة.
ج - " قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135) "
فكما أنهم أعرضوا عن ذكر الله عز وجل، أعرض الله عن توجيه الكلام لهم مباشرة، بل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ذلك.
2 - من مظاهر حب موسى عليه السلام لربه:
أ -" قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) "
والشاهد منه أنه كان يكفيه أن يقول (هي عصاي) ولكن أراد الإطناب في الكلام؛ حبا لربه وأنسا بحديثه.
ب - " وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) "
فلم يتحمل موسى عليه السلام أن ينتظر قومه، بل سارع إلى ميعاد ربه؛ شوقا إليه، وطمعا في رضاه، وترك أخاه هارون عليه السلام مع بني إسرائل، وطلب منهم أن يلحقوا به.
ج - "فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) "
فلا شك أن الغضب عند انتهاك حرمات الله من علامات حب الله عز وجل.
3 - دعوة المرسلين دعوة واضحة لا خفاء فيها:
* " قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) "
فاختياره موعدا يجتمع فيه الناس، بل وفي وقت الضحى - فلم يختره ليلا - دليل على وضوح دعوة المرسلين، وقد أُمرنا بالاقتداء بهم.
4 - الأم أرحم من الأب غالبا:
"قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) "
رغم أن موسى عليه السلام شقيق هارون عليه السلام إلا أنه ناداه بأمه، لما في الأمومة من رأفة ورحمة، وكأنها يقول له لقد كنا في رحِم واحد فلتكن بيننا رحمة.
5 - الرجل هو القائم على أهله:
¥