تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الفكر الاسلامي بين نظرية المؤامرة و نظرية "اللا"مؤامرة]

ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[22 Feb 2008, 07:44 ص]ـ

الفكر الإسلامي بين نظرية المؤامرة ونظرية «اللا» مؤامرة

2008 - 02 - 22

أحمد خيري العمري* العرب القطرية

ليسَ هناك من هو أكثر سذاجة من مروجي نظرية المؤامرة، إلا أولئك الذين يروجون أن لا مؤامرة هناك على الإطلاق! فالفئة الأولى تروج لرؤية مسطحة، لعالمٍ تتحكم فيه عصابة معينة، تلتقي في السر وتخطط في السر وتنفذ في السر، فإذا بالعالم كله رهن خطتها السرية، وإذا بالدول والإمبراطوريات ليست أكثر من «أحجار على رقعة شطرنج» تحركها أيدٍ خفية لا يعرفها أحد. أما الفئة الثانية، فهي على العكس من الأولى، تتبنى رؤية مسطحة لعالمٍ، الدولُ والحكوماتُ فيه أشبه بجمعيات خيرية غير ربحية، تؤمن بفكرة العمل التطوعي وتخوض حروبها لتقديم المساعدة للآخرين.

وبين الرؤيتين المسطحتين للعالم، هناك، بعيداً عنهما، عالم متعدد الأبعاد، شديد التعقيد، تتداخل فيه المصالح والمؤامرات، كما المثل والشعارات، تتداخل فيه الثقافات والحضارات، تتفاعل أحياناً، تتصارع أحياناً أخرى، تنجر إلى رد فعل هنا، ورد فعل هناك، ولكن ذلك كله يسهم في بناء عالم متعدد الأبعاد، ومختلف الأعماق .. لا تكفي الرؤيتان المسطحتان، على اختلافهما، لسبر أي عمق من أعماقه.

و «نظرية المؤامرة» ليست اختراعاً إسلامياً، رغم أن الليبراليين من أصحابنا قد أبلوا بلاء حسناً في غسل أدمغتنا من أجل إقناعنا أنها كذلك. لكن الحقيقة أن «نظرية المؤامرة» عموماً، هي ظاهرة إنسانية، وهي رائجة غربياً كما هي إسلامياً، وربما هي رائجة في العالم كله للأسباب نفسها، مع اختلاف في مستويات الانتشار، من بيئة إلى أخرى. ومصطلح «نظرية المؤامرة» غربي الأصول تماماً، وهو مترجم حرفياً من « conspiracy theory» الذي استخدم للمرة الأولى أوائل القرن العشرين، ولكن لم يتشكل معناه بالشكل المستخدم (الازدرائي) إلا في ستينيات القرن العشرين، ودخل في أواخر التسعينيات في قاموس أوكسفورد، ليتأصل ويتقعد بهذا الشكل. جذب المصطلح والمفهوم مفكرين مهمين من مختلف التيارات، قدموا إضافات مهمة لفهم الظاهرة، مثل كارل بوبر، نعوم تشومسكي، دانييل بايبس، وغيرهم، وكل هذا يعني وجود الظاهرة في المجتمعات الغربية، لا كجزء من ثقافة شعبية ينظر إليها على أنها سطحية فقط، ولكن كجزء تاريخي من أيديولوجية اليمين الأميركي، وخصوصاً المحافظين الجدد، الذين أولى منظّرهم «شتراوس» أهمية كبيرة لنظرية المؤامرة في تماسك نسيج الأمة الأميركية. ومن نماذج نظريات المؤامرة السائدة شعبياً في الغرب (اغتيال جون كنيدي، الصحون الطائرة التي تتستر عليها المخابرات الأميركية، موت الأميرة ديانا) .. وكلها تسود وتنتشر عبر وسائل الإعلام والصحف الشعبية وتصير مع الوقت جزءاً من قناعات جماهيرية راسخة رغم عدم وجود أي دليل مادي على حدوثها.

نظرية المؤامرة تقوم بإعطاء الأولوية للمؤامرة في فهم التاريخ ومساراته، بالذات في انكساراته وهزائمه، ما دام الطرف الذي يتحدث يشير إلى مؤامرة فعلها الآخر بحقه. وفي تاريخنا الإسلامي، تنتصب «شواهد» لهذه النظرية، في ثالوث تاريخي شهير شكّل جزءاً من الوعي والفهم الشعبيين للتاريخ وللواقع، هذا الثالوث هو (ابن سبأ - ابن العلقمي - يهود الدونمة)، وفي الحالات الثلاث على اختلاف تفاصيلها الزمانية والمكانية، فإن هناك تضخيماً لدور أفراد أو فئات محددة، مقابل اختزال واضح لأسباب حقيقية كامنة للفتنة أو الانهيار.

فابن سبأ مثلاً، وبعد التسليم بوجوده التاريخي، هو في النهاية «فرد» لا يمكن أن يكون قد تسبب في إحداث كل ما حدث، خاصة أننا نتحدث عن مجتمع الجيل الأول الذي تميز بأفراده المميزين من الصحابة الكرام. لكن كانت هناك تناقضات داخل المجتمع الإسلامي نفسه، بعضها نتج بسبب توسع الدولة وزيادة الثروة واحتكار بعض الزيادة من قبل بعض الفئات، وبعضها نتج بسبب أخطاء أو تجاوزات هي في النهاية جزء من الطبيعة البشرية، وبعضها كان لبقايا رواسب عشائرية وصراعات قديمة، كل هذا تجمع ليكون تناقضاً بنيوياً داخل المجتمع الإسلامي المتوسع، ما لبث أن توسع التناقض ليصير تمزقاً، يمكن تسميته بالفتنة، ولا كبير إشكال في الإقرار بأن بعض الأقليات التي تضررت مع صعود

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير