تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[كيف تتذوق القران الكريم؟ عرض مركز لكتاب: (التصوير الفني في القرآن)]

ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[29 Jan 2008, 07:27 م]ـ

كيف تتذوق القران الكريم؟ ـ د. أيمن محمد الجندي

بتاريخ 28 - 1 - 2008

هذا مقال طويل وجاد، يلزم لاستيعابه قراءته عدة مرات، ولكني برغم ذلك أطالبكم بالصبر عليه .. ذلك أنه يؤسس لكيفية تذوق جماليات القرآن الكريم .. وهو عرض لكتاب " التصوير الفني في القرآن الكريم " الذي حاول فيه سيد قطب أن يضع أيدينا على مفاتيح بلاغة القرآن الكريم وتوصل إلى قاعدة " التصوير الفني " التي سار عليها في تفسير " الظلال " الذي شهد تطبيق هذه النظرية .. وبالنسبة لي فقد استفدت جدا من هذا الكتاب الذي غير إحساسي بآيات القرآن تماما وجعلني أتشرب روعته وجماله.

لقد أستحوذ القرآن على العرب وأجمع الكل على الانبهار به: المؤمنون به والكافرون .. اضطرب له الوليد بن المغيرة ولم يؤمن فيما أسلم عمر بن الخطاب على الفور. لقد نظر البعض في جملة مزاياه ثم أجابوا .. لكن هذا لا يفسر انبهارهم بقلائل السور التي لم يكن فيها تشريع ولا غيب ولا علوم .. في عصر الصحابة تحرجوا من تفسيره واهتموا بالعمل به .. في عصر التابعين نما التفسير نموا مضطردا ولكنهم كانوا يقتصرون على توضيح المعنى اللغوي ثم أخذ البحث يغرق في مباحث فقهية وجدلية ونحوية وصرفية وتاريخية وأسطورية بدلا من البحث عن الجمال الفني الأصيل فيه .. وتفاقم الأمور سوءا في عصور الانحطاط.

وفي كل الأحوال فإن إدراكهم لمواضع الجمال بقى متفرقا دون أن يصلوا إلى مرحلة أدراك الخصائص العامة أو الأسلوب الموحد .. هذا الشيء الذي يمكن أن نطلق عليه: التصوير الفني في القرآن الكريم ..

إن لهذا الكتاب طريقة موحدة في التعبير عن مقاصده، سواء كان هذا القصد تبشيرا أو تحذيرا، قصة وقعت في الماضي أو حادثا سيقع في المستقبل، وصفا للحياة الدنيا أو الأخرى، هذه الطريقة الموحدة هي التصوير الفني في القرآن الكريم.

إن التصوير هي الأداة المفضلة في القرآن الكريم فهو يحول المعنى إلى صورة فإذا هي تصبح واقعا أمامك والأمثلة هي كل القرآن تقريبا فيما عدا التشريع ..

على سبيل المثال: حينما يريد القرآن أن يعبر عن " معنى " أن الكافرين لن ينالوا قبولا من الله فإنه لا يقولها مباشرة وإنما حولها إلى صورة: " إن الذين كفروا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " والجمل هو الحبل الغليظ فيدع للذهن البشري أن يتخيل صورة حبل غليظ لا يدخل في فتحة الإبرة الدقيقة مهما حاولت وبذلك يتأكد المعنى المطلوب حينما تحول من معنى ذهني إلى صورة فنية ..

وحينما يريد أن يعبر عن ضياع أجر الكافرين فإنه يعبر عنها لا بطريقة تقريرية وإنما برسم صورة فنية " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد أشتدت به الريح في يوم عاصف " فيدع للذهن أن يتخيل حركة الريح تذرو الرماد فيتبدد بددا .. ويريد أن يقول أن الصدقة التي تبذل رياء لا تثمر عند الله فيصورها هكذا " فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا " فيرسم لنا الخيال صورة حجر صلب غطته طبقة رقيقة من التراب فظنت فيه الخصوبة، فإذا بوابل من المطر يتركه صلدا بدلا من أن يهيئه للخصوبة والنماء .. أما الوجه الآخر فهي الصدقات التي تبذل ابتغاء مرضاة الله فيصورها هكذا: " كمثل جنة بربوة فأصابها وابل فآتت أكلها ضعفين " فالوابل مشترك في الحالتين ولكنه في الحالة الأولى يمحق ويمحو وفي الحالة الثانية يربي ويخصب .. وإذا أراد أن يقول أن الله وحده يستجيب لمن يدعوه فيما لا تملك الآلهة الثانية شيئا يجعلها في هذه الصورة: " والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه " وهي صورة للحماقة في أجلى صورها .. وإذا أراد أن يعبر عن ضياع عمل المشركين لم يقلها مباشرة وإنما قال: ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق "وقس على ذلك القرآن كله فيما عدا التشريع فهو لا يكتفي بذكر المعنى الذي يريده بل يجعله في صورة مجسمة مرسومة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير