وعن أولئك الناقلين لكتب الفلاسفة أخذ ذلك أبو إسحاق النظام , وأبو الهذيل العلاف , وثمانة بن أشرس , وبشر المريسي , وأبو عبيدة , والجاحظ , وابن المعتز , وغيرهم من المتكلمين , ونهج أولئك المتكلمون في تفسير كلام العرب نهج أرسطو في تفسير كلام اليونان , واتبعوا في تفسير كلام الله تعالى , وكلام رسول صلى الله عليه وسلم سنن أرسطو في تفسير ضلالات اليونان وأساطيرهم , وجادل أولئك المتكملون بذلك عن قولهم بالمترلة بين المترلتين , وهي أول مسألة فرقت بين المعتزلة وغيرهم , وقولهم إن أسماء الإيمان والكفر والفسق نقلت فى الإسلام إلى غير ما كانت تدل عليه بلسان العرب , وعن كثير من إلحادهم في أسماء الله تعالى وقدره , وغيرها من بدعتهم وإفكهم , وأضلتهم تلك الفلسفة عن لسان العرب , فأهلكتهم العجمة.
2 - كتاب الشفاء لابن سينا
وفسر ابن سينا في كتابه ((الشفاء)) كثيراً من كلام أرسطو في الخطابة والعبارة والشعر , وذكر المجاز , والاستعارة والتغيير والنقل , والتشبيه , وغيرها , وكلامه فيها هو نفس كلام أولئك المعتزلة , ومن ذلك قوله: والحقيقي هو اللفظ المستعمل في الجمهور المطابق بالتواطؤ للمعنى , وأما النقل فإنما يكون أول الوضع والتواطؤ على معنى , وقد نقل عنه إلى معنى آخر , وأما المغير فهو المستعار والمشبه (16) وقوله: وعندما يقول هوميروس في حديثه عن آخيل: كر كالأسد , فهذا تشبيه , وعندما يقول: كر هذا الأسد , فهذا مجاز , لنه لما كان الرجل والحيوان في هذا المثال ممتلئين شجاعة , صح أن يسمى آخيل أسداً على سبيل المجاز (17) ا هـ.
وهو نفس كلام أبي عبد الله البصري في النقل وفي الأسد , ونفس كلام الرماني في الفرق بين التشبيه والاستعارة , وذلك يدل على أن أولئك المعتزلة أخذوا كلامهم في المجاز والاستعارة من كتب أرسطو , وكان ما بأيديهم من النقل لتلك الكتب وشروحها أتم وأحسن من النقل القديم , وكان النقل القديم ناقضاً سقيماً , ولعله لذلك كان كلام أبي عبد الله البصري , والرماني أشبه بكلام أرسطو , واقرب لعبارته من كلام الجاحظ
وإذاً فهذا هو مصدر هذه الترهات جميعاً .. وكذلك كل قول فاسد في الاعتقاد واللغة والأصول والحديث فإنما نشأ في الأغلب الأعم من الاطلاع والنقل عن خرافات أولئك الوثنيين .. ولذلك فضل بيان في موضع آخر بإذن الله ..
============
الحواشي:
(1) الفهرست .. الفن الأول من المقالة السابعة: (ص 310).
(2) ذكره التوحيدي في المقابسات (ص 60).
(3) ((الخطابة)) (ص 220).
(4) ((الخطابة)) (ص 221).
(5) ((الخطابة)) (ص 223).
(6) ((الفهرست)) الفن الأول من المقالة السابعة (ص 310).
(7) فن الشعر لأرسطوطاليس , ترجمة عبد الرحمن بدوي (ص 57 - 59).
(8) فن الشعر (ص64).
(9) أي: من العبارات.
(10) غانوميدس في الأساطير اليونانية هو ابن طروس , وكانت اختطفته الآلهة , وزيوس أحد آلهتهم , وآلهة أرسطوطاليس لا يشربون الخمر , ولكنهم يشربون أي شراب ممزوج , ولفظ ممزوج , ولفظ الخمر في رأي أرسطو يطلق على أي شراب ممزوج , فلذلك جاز في نظره لهوميروس – شاعر الإلياذة , وسيد الشعراء غير مدافع في نظر أرسطو-أن يقول: إن غانوميدس كان يصب الخمر لزيوس , وكل الأمثلة التي ذكرها هنا هي من الإلياذة , وآلهة أرسطو طاليس كما يشربون أي شراب ممزوج , ولا يشربون الخمر , كذلك ينامون الليل كله , وخاب أقوام وخسروا يسمونه المعلم الأول ويتخذونه إماماً!.
(11) ((فن الشعر)) (ص 74 – ص 76).
(12) كتاب الحيوان: (1/ 331 – 332 , 5/ 279 – 280).
(13) ((طبقات المعتزلة)) (ص50)
(14) ((طبقات المعتزلة)) (ص44)
(15) كتاب ((الحيوان)) (1/ 345 _ 346)
(16) نقله د. المطعني (ص1053) وعزاه إلى كتاب ((الشفاء)) تحقيق د. عبد الرحمن بدوي (ص66 - 67).
(17) ((مقدمة النثر)) د. طه حسين (ص14).
ـ[وليد شحاتة بيومي]ــــــــ[07 Nov 2008, 12:05 ص]ـ
جزاك الله خيرا على جهدك،
هل من الممكن تحميل هذا الكتاب على شبكة المعلومات للإفادة منه؟
والله الهادي إلى سبيل الرشاد
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[09 Nov 2008, 12:03 ص]ـ
أخي الكريم: المجاز موجود في كل اللغات فهو ليس خاصاً بلغة العرب أو اليونان أو غيرهم لأنه ليس قضية لغوية بالأساس وإنما هو قضية عقلية فلا يتوقف على لغة بعينها.
وستجد المجاز في اللاتينية، والفارسية، والسريانية والعبرية وغيره فهل كانوا جميعاً مصدراً للمتكلمين؟