تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأيا من هذه الوجوه تجده يحمل خاصيًة ملازِمًة ضرورية في دلائل المطالب العقدية الكبرى، ألا وهي الارتباط اليقيني الواضح بين الدليل والمدلول، فلا مجال هنا للاحتمال، ولا لغلبة الظنون وترجيحات الأقوال، ومما هو مقرر أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال (1)، وإلا يكن ذلك في جميع الأحوال، فإنه دون شك جار في المطالب اليقينية.

ومع تعدد هذه الوجوه اليقينية، وتنوعها و َ غنائها التام في إثبات النبوة المحمدية، وإقامة الحجة بها على كل إنسان، في كل زمان ومكان، فقد ظهر اتجاه جديد في بيان وجه دلالة القرآن على النبوة، ينظر إلى الوجوه السابقة التقليدية على أنها مع صحتها ومناسبتها وتأثيرها وجدواها في العصور السابقة لم تعد مجدية في الخطاب الديني المعاصر، وراح أصحاب هذا الاتجاه يتبنون لونا جديدا يرونه من دلالات القرآن على النبوة، هو ما اصطلحوا على تسميته: "الإعجاز العلمي "، الغرض منه دفع تهمة مصادمة الدين الصحيح للمكتشفات العلمية

التجريبية الحديثة التي ولدت بعيدا عن الدين عند غير المسلمين؛ بل بيان أن كثيرا من هذه المكتشفات سبق الإيماء إليه في النصوص الدينية الموثقة، على وجه يثبت أنها إلهية المصدر، لكنه وجه خفي على السابقين، وتجلى بعد ظهور هذه المكتشفات واشتهارها مطاِبقًة لتلك النصوص.

وإمعانا من أصحاب هذا الاتجاه في تحقيق هذا الغرض الشريف، عمموا هذه المطابقة لتشمل كل ما له صلة صحيحة وثيقة بالدين، فلم تقتصر على نصوص الوحي الأول: القرآن، الذي هو بألفاظه ومعانيه من الله، بل شملت الوحي الثاني: السنة النبوية، الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا، بل ربما ألحق بذلك ما قد تكون نسبته للوحي والدين محل اجتهاد ونظر، كالشمائل والإرشادات النبوية في الطب والتغذية والرياضة وغيرها من شؤون الحياة التفصيلية الخارجة عن موضوع النبوة الأساس (2)، وهو هداية الناس للتي هي أقوم في عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم، وسياستهم بما يوافق ذلك ويحقق مقاصده من الأحكام التشريعية الكلية والجزئية، بل ربما ألحقوا بذلك أيضا بعض الاجتهادات الفقهية الظنية، وتعبيرا عن ذلك كله ظهر مصطلح "الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية " ليكون اتجاها جديدا في إثبات أن القرآن الكريم كلام الله حقا، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله صدقا، وأن دين الإسلام بعقائده وأحكامه دين الله اَلمرضي، الصالح لكل زمان ومكان، وتلك لعمرو الحق غاية نبيلة، وقصد عظيم يشكر أصحاب هذا الاتجاه على التفاني في بلوغه، والصدق في السعي إليه، والحماسة في الحرص عليه، غير أني بعد رصد هذا الاتجاه، والتأمل في

نتاجه من نماذج الإعجاز العلمي في نصوص القرآن والسنة، لحظت خللا منهجيا أحسبه ليس

بالهين، لا يكاد يسلم منه شاهد من شواهد هذا الإعجاز المدعى، وأخشى أن يفوت على هؤلاء

الحريصين المتحمسين قصدهم، بلْه أن يقلب الأمر عليهم إلى الضد، فتعود الدلائل شبهات، والاكتشافات انكسافات، واليقينيات ظنيات، ويرتد الإعجاز عجزا، والإنجاز أزا، فرأيت من النصيحة أن أ عرض ما عندي في هذه القضية، لعلي أظفر بمن يحل هذه العَقد التي أراها مخلة بعامة ما ُقدم إلى الآن من نماذج الإعجاز العلمي، أو أن تكون لفتة من ناصح يرجو أن يكون أمينا، لا يخفى عليه ما أخذته هذه المسألة من أبعاد علمية ووجدانية ودعوية وإعلامية، وما اكتسبته من رسوخ عميق لدى شرائح واسعة من أهل العلم والفضل على اختلاف تخصصاتهم،

وما تحظى به من دعم وتبن من كثير من الهيئات العلمية والجهات الدعوية، حتى صارت المنازعة في صحتها والمناقشة حول جدواها وأهميتها لدى بعض أنصارها ضربا من الاعتراض على الثوابت القطعيات، ونوعا من مكابرة الضروريات، بله تقليلا من شأن القرآن والسنة والعياذ بالله.

وقد رأيت تصنيف بحثي بعد هذه المقدمة على النحو التالي:

- المبحث الأول: قواعد في منهج الاستدلال بالقرآن على النبوة.

- المبحث الثاني: خلاصة مواقف العلماء من التفسير العلمي للقرآن الكريم.

- المبحث الثالث: منهج الاستلال بالمكتشفات العلمية على الربوبية.

- المبحث الرابع: منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة.

- الخاتمة والتوصيات.

وبعد فهذا جهد المقل، فإن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان،

ومن الله وحده أستمد العون والتوفيق والسداد.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير