بعقولهم وآرائهم وتصوراتهم.
وسار على منهجه رجال الدين الذين أعدموا "كاليلي" أن آمن بما لم يأذنوا له به.
ويعتقد كثير من الناس أن مدلول كلمة التراث الإسلامي يشمل الكتاب المنزل من عند الله ويشمل ما صحّ عن النبي الأمي ? من أقوال وأعمال وتقارير، ولعلّ في هذا التصور شيئا من الخلط بين المقدّس وغير المقدس أي بين الوحي المنزل من عند الله وبين آراء واجتهادات وفقه غير المعصومين، الذي منه الصواب ومنه الخطأ ومنه الجيد ومنه ما دون ذلك.
وإنما يعني الخلط بين التراث والوحي المنزل إيهام كثير من الناس في الأمة الأمية أن الآراء والمذاهب والفرق عبر التاريخ الإسلامي لها نفس العصمة والقداسة التي للوحي المنزل من عند الله وهيهات أن يسلم هذا التصور من المقال والرد.
ولا يخفى ما يعنيه ذلك التصور من انشغال الناس عن تدبر القرآن والتفقه من السنة النبوية بالتراث الإسلامي العريض، وما يعني من التمسك بخطإ منهجي في البحث العلمي المجرد، ذلك الخطأ الذي عانى منه المسلمون عبر التاريخ تمزقا وانحطاطا وقهقرى وأذهب ريحهم فلم يستطيعوا ردّ صولة الغزاة الطامعين كالمغول وتيمورلنك وغيرهم من الذين قهروا الأمة واستضعفوها قديما وحديثا وأركسوها في عصور الانحطاط بعد أن مزّقتها الأهواء والآراء والفرق والمذاهب وشغلتها عن تدارس القرآن العجب الذي يهدي إلى الرشد وإلى التي هي أقوم.
إن الباحثين عن الحق لهم أن يستدلوا بالنقل ثم بالعقل بعيدا عن منهج رجال الدين الذين أعدموا "كاليلي" أن قال بدوران الأرض تعصّبا لما وصل إليه فقههم يومئذ من الكتاب المنزل، وبعيدا عن منهج فرعون المذكور.
ولا يزال رجال الدين على نفس الخطإ إلى يومنا هذا ويبتعدون يوما بعد يوم عن البحث العلمي المجرد بسبب الأخطاء المنهجية المذكورة.
وإنما التقليد بدعة اقتبسوها من منهج فرعون واتخذوه دينا وفرضوه على الأجيال اللاحقة، وكلما ازداد المتأخرون في تقليد من سبقهم رغم الأخطاء المنهجية أو العلمية ازدادوا انحطاطا وردة وقهقرى عن التقدم العلمي.
وإن الكتاب المنزل على خاتم النبيين ? لبريء من فرض التقليد ومصادرة حرية الرأي والفكر والتأمل والاجتهاد والبحث العلمي.
وإن أكبر الكليات وأقدس المقدسات لحقيقة وحدانية الله وأن لا شريك له وأنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ ولا شبيه ولا مثل ولا ند، وتضمن القرآن والكتاب المنزل من عند الله هذه الحقائق دون أن يصادر حرية الرأي والتأمل والفكر والبحث العلمي ودون أن يفرض تقليدها على الناس ومنهم المخالفون، وإنما بالأمر باستعمال كافة أدوات البحث العلمي كالسمع والبصر والتأمل والفكر والعقل كما في قوله:
• ? أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ? النمل 64
• ? أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم ? الأنبياء 24
• ? ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ? الفلاح 117
• ? إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذن شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين ? الكهف 13 ـ 15
• ? ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم ? القصص 74 ـ 75
ويعني حرف النمل أن الله أمر الناس بالتأمل والنظر والبحث العلمي وسيعلمون أن الذي يبدأ الخلق ثم يعدمه ثم يعيده والذي يرزق من السماء والأرض هو الله وحده لا شريك له فمن لم يفقه ذلك بعد التأمل والنظر واتخذ مع الله شريكا فليأت ببرهانه ودليله على أن لشريكه من الخلق والقدرة مثل ما لله.
ويعني حرف الأنبياء أن الله أمر من اتخذ من دونه آلهة أن يأتي ببرهانه أي دليله عليه.
ويعني حرف الفلاح أن القاصر المقلد الذي لم يتأمل ولم يبحث هو الذي يدعو مع الله إلها آخر لا برهان له به وإنما بسبب التقليد.
ويعني حرف الكهف أن الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى قد علموا أن من دعا إلها دون رب السماوات والأرض قد قال شططا إذ خالف الصواب، وأقر القرآن الفتية إذ أنصفوا قومهم المشركين فسألوهم سلطانا بينا أي دليلا وحجة على أن آلهتهم هي رب السماوات والأرض الذي خلقهن ويدبر الأمر فيهن.
¥