ـ[ابن الشجري]ــــــــ[13 Mar 2008, 04:33 ص]ـ
.
يا من له من اسمه نصيب، الأخ الأديب عمار الخطيب: شكر الله لك ظنك الحسن، وإطرائك الجميل، ونفعنا جميعا بالعلم، ورزقنا معه الإخلاص، ومع الإخلاص القبول.
إن الإنسان ليسعد عندما يلمس استحسان الآخرين لما كتب، ويسر مع ذلك بالذكر الجميل، لأن ماقدم ماهو إلا ثمرات فكره وبنات قلمه، لكن يكدر هذا الأمر أن الله تعالى لا يقبل إلا ماكان خالصا لوجهه الكريم، فياحسرة على عمل يقرب إلى الله وعامله يصرفه لغير الله، وقد خاب من آثر الفاني على الباقي.
إن أحدنا ليكتب ماقد يستوجب بمثله الجنة، وينال به رضى الله، وإن المرء ليقف حيرة مع هذا الأمر، فالإخلاص عزيز، ومن يدعيه مجانب للصدق، فتجدنا نحب أشياء فنأتيها دون استحضار للنية، وهذا من دقيق مسائل العلم التي أشبع القول فيها شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة مفردة، وهل يثاب عليها المرء أم لا ... ؟
فعدم استحضار النية لا يستوجب ترك مثل هذه الأمور الجميلة المحمودة، ولو لزم تتبع المرء لنيته في باب العلم خاصة، لما وجدنا عالما إلا فيما قل، ولما وجدنا كتابا ينتفع به إلا فيما ندر، ورحم الله الغزالي القائل: (لولا الرياء لذهب تسعة أعشار العلم) وكم تعجبني جرأته ودقيق فهمه في مثل هذه العبارة الصارخة، وهو وإن كان خانه التعبير في هذا الباب، وأوضحه أيما إيضاح شيخ الإسلام رحمه الله في الرسالة الآنفة الذكر، إلا أن لقوله وجه صحيح وإن كان يعوزه التفسير.
ولو قال قائل إن من أكبر معوقات الدعوة والعلم، إلزام الناشئ في ذلك بالإخلاص لكان قولا سديدا، فتجد المبتدئ في طلب العلم متى وجد من يشدد عليه بملاحظة الإخلاص، وينبهه بأنه لا فائدة من طلبه للعلم إن لم يكن مخلصا، خارت قواه إن لم ينصرف كليا عن طلب العلم، وحار في هدايته بعد أن كور عمامتها، وكم كان يتعبنا مثل تلكم الكلمات المثبطات، ولربما قعدت بأحدنا عن تعلم الفاتحة، فلابد من قرن هذا التنبيه بتنبيه له آخر، وهو أن عدم استحضاره للنية لا يجب أن يقعد به عن طلب العلم، وأن مجرد طلبه للعلم نية ... ، ولعل مدارسته لكلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والنظر في سير القوم يهديه سواء السبيل في هذا الباب.
هذا إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد رحمه الله، لما سأله أبو داود فقال له: هل كان طلبك للعلم لوجه الله، فأجابه جواب صادق موفق وقال: أما لله فعزيز ولكن حبب إلي شئ فطلبته.
ولعمري إنها لإجابة تمثل منهجا، فإنه لعسير شاق، يحتاج إلى جهاد ومجاهدة للنفس، فحظوظها حاضرة في أكثر الأعمال، وصرف النظر عنها كليا يكاد يصل إلى حد النزال، وأظنه سفيان القائل: ما جاهدت نفسي على شئ مجاهدتها على الإخلاص.
ومن كرم الله تعالى أن من جاهد فيه هداه إليه، كما قال سبحانه في كتابه، وفرق بين أن يكون المرء مجاهدا لنفسه آطرا لها على الإخلاص، وبين من يبتغي بعمله من أصله غير الله.
فسنكتب ما استطعنا ـ إن شاء الله ـ ولن ندعي الإخلاص، بل سندعو الله أن يوفقنا له وأن يصرف قلوبنا عن ملاحظة الناس، فكم من كتاب كتب للناس فكان عاقبته الإفلاس، وكم من كتاب كان لله فأبقاه للناس.
ومثل هذه المسائل ليس بالجديد طرقها و كشف لثامها، بل تكاد تكون ديباجة أغلب الكتب، وإن كان من الجيد لو أن باحثا حاول معالجتها على واقع الدعوة اليوم ونفسيات طلاب العلم والله المستعان.
فلقد ذهبت حلاوة العلم في كثير من القلوب، وكاد ينعدم أثره من أفواه الكثير من أهله وحملته، وليس المشجب في ذلك عدم الإخلاص فحسب، بل لصرفه لأ غراض الدنيا وقلوب الناس عياذا بالله من ذلك، حتى كادت لا تعرف الدنيا إلا عند أهل العلم ومن كان يوسم بالصلاح ولاحول ولا قوة إلا بالله.
يذمون لنا الدنيا وهم يرضعونها=أفاويق حتى ما يدر لها ثعل
يقول: متحسرا على ثلة تذم الدنيا دائما، وهم من يرضعها ويهارش ويخارش عليها، حتى اللبن الذي لا يكون بين حلبتين، فإنهم أول من يسابق إليه ويحاول رضاعه دون الآخرين.
ومعاذ الله أن نذم الدنيا عند من هي عنده لأنها عنده، إنما الذم كل الذم موجه لمن يذمها ثم هو يضرب لها الأخماس بالأسداس، ويسعى لحارها قبل قارها منازعا فيها الناس.
¥