ودافع عنه الذهبي في الميزان (2: 660)، فقال: "لم يورده ابن عدي ولا العقيلي ولا ابن حبان، وقد ذكروا من هو أقوى حفظًا منه وأما ابن الجوزي فذكره فحكى الجرح وما ذكر التوثيق، والرجل من نظراء السبيعي أبي إسحاق وسعيد المقبري، لما وقعوا في هزم الشيخوخة نقص حفظهم وساءت أذهانهم ولم يختلطوا، وحديثهم في كتب الإسلام كلها، وكان عبد الملك ممن جاوز المائة ومات في آخر سنة ست وثلاثين ومئة". اهـ.
وقال ابن حجر في هدي الساري (ص422): " إنما عيب عليه أنه تغير حفظه لكبر سنة، لأنه عاش مئة وثلاث سنين، ولم يذكره ابن عدي في الكامل ولا ابن حبان".
قلت: لم يستوعب العقيلي وابن حبان وابن عدي الرواة الضعفاء، بل عليهم فوات، وما ذكروا من سوء حفظه وخلطه ظاهر في روايته لهذا الحديث.
وقد ذكره سبط ابن العجمي في كتابه الاغتباط بمن رمي بالاختلاط برقم (66)، والعلائي في المختلطين برقم (30). ولم يذكره ابن الكيال في (الكواكب النيرات) وإن كان استدركه محقق الكتاب في ملحقه.
وكل الاختلاف والاضطراب في الإسناد والمتن إنما هو في رواية يزيد بن أبي زياد عنه خاصة، فإما أن يكون سمع هذا الحديث من عبدالملك أكثر من مرة!! وإما أن يكون هذا من قبله وإن كان ثقة! فالثقة قد يهم.
وفقد رواه عنه هاشم بن البريد عند أبي يعلى، ومن طريقه الضياء في المختارة (3: 436 / برقم 1236).
ورواه الفضل بن موسى عند النسائي في الكبرى (6: 104/ برقم10223)، ومن طريقه الضياء في المختارة (3: 437/ برقم 1238).
ورواه عبدالله بن نمير عند عبد بن حميد برقم (179)، وعبدالله بن أحمد في زوائده على المسند برقم (21216)، والبيهقي في الشعب برقم (5133)، فجعلوه ثلاثتهم من حديث أبي بن كعب.
اتفقا الأوليان على اللفظ، وخالف الثالث (كما سبق) فلم يذكر الشاهد من اللفظ النبوي، وإن كان أشار إلى القصة! .. وبقية السياق لحديث آخر. اختلف فيه كذلك!.
فهل سماع يزيد بن أبي زيد عن عبدالملك بآخر رمق؟! .. هذا الظاهر (والله أعلم).
وللقصة الثانية شاهد عن عمر بن الخطاب: أخرجه البيهقي في الشعب برقم (5131): وفيه قصة بين سعد وسلمان رضي الله عنهم أجمعين.
غريب الحديث:
1 ـ قوله: في رواية أُبي (فتصدَّع أنف أحدهما غضبًا)، وفي رواية معاذ: (خُيِّل إلي أن أنفه يتمزَّع من شدة غضبه)، فقوله (يتمزَّع): هذا الحرف مما ذكر في تصحيفات المحدثين، فقال أبو عبيد: "ليس يتمزع بشيء، ولكني أحسبه (يترمع) من شدة الغضب، وهو أن تراه كأنه يرعد من شدة الغضب". غريب الحديث (2: 464)، وانظر النهاية (2: 264) (4: 325)، وتصحيفات المحدثين (1: 385).
قال الأزهري: " إن صح يتمزع فإن معناه يتشقق، يقال: مزعت الشيء إذا قسمته، قال وأنا أحسبه يترمع، وهو أن تراه كأنه يرعد من شدة الغضب". لسان العرب (8: 134).
وقد أنكر هذا الخطابي فقال في غريبه (1: 142): " ولست أدري لم أنكر الصواب واختار غيره، وإنما هو يتمزع كذلك رواه الأثبات".
قال ابن حجر: " يتمزع بالزاي والعين المهملة أي يتقطع، وهي مبالغة في الكناية من شدَّة غضبه". الأمالي المطلقة (ص184).
2 ـ وقوله في رواية معاذ (محك): المحك اللجاج وقد محك يمحك وأمحكه غيره. النهاية (4: 303).
وقال ابن منظور في اللسان (10: 486): " محك المحك المشارة والمنازعة في الكلام و المحك التمادي في اللجاجة عند المساومة والغضب ونحو ذلك و المماحكة الملاجة وقد محك يمحك و محك محكا و محكا فهو ماحك ومحك و أمحكه غيره ". اهـ.
لطائف الحديث:
1 ـ القصة تذكر في أسباب ورود الحديث، فهي سبب لبيان هذا الدعاء عند الغضب .. كما في البيان والتعريف للحسيني (1: 285).
2 ـ يدخل هذا الحديث في المبهمات من ثلاثة أوجه.
الوجه الأول: قوله (استب رجلان)، قال ابن حجر: " لم أعرف أسماءهما". الفتح (10: 467).
الوجه الثاني: في تعيين المأمور .. قال ابن حجر: "وأخلق بهذا المأمور أن يكون كافرًا أو منافقًا، أو كان غلب عليه الغضب حتى أخرجه عن الاعتدال بحيث زجر الناصح الذي دله على ما يزيل عنه ما كان به من وهج الغضب بهذا الجواب السيئ، وقيل: إنه كان من جفاة الأعراب، وظن أنه لا يستعيذ من الشيطان إلا من به جنون، ولم يعلم أن الغضب نوع من شر الشيطان، ولهذا يخرج به عن صورته، ويزين إفساد ما له كتقطيع ثوبه وكسر آنيته أو الأقدام على من أغضبه، ونحو ذلك مما يتعاطاه من يخرج عن الاعتدال". الفتح (10: 467).
وقال النووي: " هذا كلام من لم يفقه في دين الله ولم يعرف أن الغضب نزغ من نزغات الشيطان، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجانين، ولعله كان من جفاة العرب، أو يقال: لعله كان كافراً أو منافقاً أو شدة الغضب أخرجته عن حيز الاعتدال بحيث زجر الناصح له". نقله العيني في العمدة (22: 125)، وهو في شرح مسلم للنووي (16: 163) بنحوه.
وقال الحافظ في مقدمة الفتح (ص332): " فيه ثلاثة أبهموا لم أعرف أسماءهم". اهـ.
الوجه الثالث: قوله في رواية سليمان بن صرد: (فقام إلى الرجل رجلٌ ممَّن سمع النبي صلى الله عليه وسلم)، وقع تصريح معاذ بأنه هو في بعض طرق الحديث كما سبق.
حرر في (17/ محرم/1425هـ) .. وإلى لقاء قريب بإذن الله (تعالى).
¥