تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقولنا: (بالكيفية التي يريدها) هذا يتعلق ببيان أنواع الوحي إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.والمقصود هنا؛ الوحي بمعناه ومفهومه الخاص، وأجمع آية وردت في هذا النوع هي قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى:51) فهذه الآية جمعت ثلاثة أنواع: أولها: قوله: (إلا وحياً)،ثانيها: قوله: (مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)، ثالثها: قوله: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) فجمعت هذه الآية عامة أنواع الوحي.

فقوله تبارك وتعالى: (إلا وحياً) يدخل تحته أمور متعددة من أنواع الوحي؛ أولها: الرؤيا الصادقة وهي من أنواع الوحي، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة ـ أو الصالحة ـ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح) أخرجاه في الصحيحين (خ/ 3، م / 231) فأول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الرؤيا الصالحة. وقد بقي ستة أشهر قبل نزول الملك يرى هذه الرؤى التي تأتي مثل فلق الصبح، وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ " (خ/ 6474) ويتبين معنى هذا الحديث من خلال الحديث الذي ذكرته قبل قليل، فمدة بقاء النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة، وفي المدينة على الأرجح عشر سنوات، فالمجموع ثلاث وعشرون سنة، فلو قسمت هذه الثلاث وعشرين على ستة أشهر فيكون ستا وأربعين، والرؤيا الصالحة استمرت ستة أشهر فهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة؛ هذا يمكن أن يفسر به الحديث والعلم عند الله عز وجل، ولا يقطع به، ولكنه احتمال.

ومما ورد في كتاب الله عز وجل من هذا النوع من الوحي ـ وهو الرؤيا الصادقة ـ قول الله عزوجل عن إبراهيم عليه السلام (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102) فهنا قال (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) فاحتج بالرؤيا، و بنى عليها العمل (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (الصافات: من الآية103) وكذلك استجابة إسماعيل صلى الله عليه وسلم له بقوله: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) (الصافات: من الآية102)، ثم قوله: (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) يدل على أنه أمر من الله عز وجل، و لهذا قال الله عز وجل: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات:105.104). و كذلك قال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (الاسراء: من الآية60) و هذه الرؤيا بعض العلماء يقولون: هي ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء و المعراج فهي رؤيا عين؛ وليست رؤيا في المنام، والقول الآخر وهو الأقرب، وهو أنها تفسر بقوله تبارك وتعالى في سورة الفتح: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:27) وهو فتح خيبر. فهذه الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم حيث رأى نفسه يطوف آمنا مع أصحابه بالبيت، وتعلقت قلوب الصحابة رضي الله تعالى عنهم بمقتضى هذه الرؤيا ومضمونها. ولا شك أن رؤيا الأنبياء حق. وحينما نقول بأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة. فيتنبه هنا إلى أنه لا يجوز أن يبنى على الرؤى حكم من الأحكام لا في الأمور الشرعية ولا في غيرها من القضايا العلمية أو العملية، بمعنى أنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد بعبادة بناء على رؤيا رآها، إذا كانت هذه العبادة لم يشرعها الله عز وجل، ولا يجوز للإنسان أن يبني على ذلك قضية علمية أو عملية؛ بمعنى أنه مثلا رأى في المنام أن تركيب الدواء الفلاني يفيد من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير