تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إليه، هذا هو المعنى المشهور، وهو الأرجح في تفسير الآية ولا شاهد فيه، و إنما ذكرت هذه الآية بناء على التفسير الآخر، وهو أن قوله تبارك وتعالى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) الدنو هو دنو النبي صلى الله عليه وسلم من الجبار تبارك وتعالى، فكان فيه بالقرب القريب، وهذا يوضحه رواية عند البخاري (6963) في النسخة اليونينية (ثم دنا للجبار، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى)، وفي بعض النسخ (ثم دنا الجبار).

لكن الأقرب أن الذي دنا فتدلى هو جبريل عليه الصلاة والسلام، فإن هذه اللفظة (ثم دنا الجبار) مما انفرد به شريك في حديث الإسراء المشهور، وقد عدها بعض أهل العلم من جملة أوهامه في هذا الحديث، ثم هو خلاف المشهور عن الصحابة رضوان الله عليهم في تفسير هذه الآية كما سبق، ويرجحه القرينة التي في الآية؛ وهي قوله تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) (لنجم:13) أي: رأى جبريل مرة أخرى على هيئته الحقيقية الملائكية.

و أما من السنة: فحديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري في صحيحه (3598)، في قصة فرض الصلاة، وفيه: ـ ثم فرضت علي خمسون صلاة، فأقبلت حتى جئت موسى فقال: ما صنعت قلت: فرضت علي خمسون صلاة، فقال: أنا أعلم بالناس منك، عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ... إلى أن قال: فرجعت ـ يعني إلى الله ـ فسألته فجعلها أربعين ـ ثم تكرر ذلك مع موسى ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى ثم بعد ذلك ـ "نودي أني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي و أجزي الحسنة عشراً) وفي رواية:" فراجعت ربي قال: هي خمس، وهي خمسون لا يبدل القول لدي" يعني خمس فرائض والحسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في الميزان. فظاهره أنه كلام مباشر من الله عز وجل.

فالله كلم موسى صلى الله عليه وسلم وهو في الطور بتكليم مباشر، وكلم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في السماء.

ومن النصوص المتعلقة بالكلام الإلهي المباشر؛ وهي داخله تحت الكلام من وراء حجاب؛ ما ورد في كتاب الله عز وجل في ثلاث سور، وهي أربع آيات لا خامس لها؛ ففي سورة البقرة (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ) (البقرة: من الآية253)، وفي النساء (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى قوله (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيم) (النساء: 163، 164)، و في الأعراف آيتان (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (لأعراف: من الآية143). وقوله: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (لأعراف:144) و أما قوله (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) (الشورى: من الآية51) فيحتمل معنيين:

المعنى الأول: أنه يرسل رسولاً ملائكياً إلى رسولٍ بشري، و هذا هو الغالب مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

المعنى الثاني: أنه يرسل رسولاً من البشر إلى نظرائه من الآدميين، لأن الله لا يخاطب أولا يوحي إلى كل واحد من بني آدم، و إنما يرسل منهم رسولاً إليهم لينذرهم و يبشرهم. فهذان المعنيان تحتملهما الآية، و لا تعارض بينهما، فكلاهما صحيح.

الأحوال والصور التي يأتي عليها الملك للرسول البشري:

والملك حينما يأتي للرسول البشري، أو لنبينا صلى الله عليه وسلم يأتيه بصور متعددة:

الصورة الأولى منها: أن يأتيه على صورته الحقيقية، وقد حصل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين:

المرة الأولى: أنه رآه النبي صلى الله عليه وسلم على كرسي أو على عرش بين السماء والأرض؛ كما في حديث جابر عند البخاري (4541، م/ 233): (فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء و الأرض) وفي رواية (ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو قاعد على العرش في الهواء ـ يعني جبريل صلى الله عليه وسلم ـ فأخذتني رجفة شديدة".

المرة الثانية: حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى؛ كما في قول الله عز وجل (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى*عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) (النجم:14.13)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير