ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[26 Mar 2004, 12:06 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا الجليل، وأستاذنا الفاضل عبد الرحمن الشهري!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته00 وبعد0
إنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم في ملتقى أهل التفسير، أسعد بلقائكم، وأرجو أن تسعدوا أنتم بلقائي حقًا، وشكرًا لكم على ترحيبكم بي في الملتقى، وعلى اهتمامكم بمقالنا (من أسرار الإعجاز البياني في القرآن) الذي يكشف عن سر وجود (الواو) في قوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها} من آية الزمر/73 0
أما عن استفساراتكم فأحاول أن أجيب عنها بعون الله وتعليمه، وأرجو منه سبحانه أن يوفقني في الإجابة عن ذلك، إنه نعم المولى، ونعم النصير0
أولاً- أما عن الاستفسار الأول فالجواب عنه: أن لكل أداة في اللغة وظيفة تشغلها في التركيب اللغوي، ومعنى تؤديه في السياق0 ووظيفة الأدوات جميعًا هي الربط؛ فكما تكون الفاء في جواب (إذا) رابطة له يشرطها، كذلك تكون (الواو) رابطة لجواب (حتى إذا) 0 والشواهد اللغوية هي التي تحكم بصحة ذلك، لا القواعد النحوية0
فوظيفة (الواو) – كوظيفة أي أداة- هي الربط0 أما معناها الذي تؤديه في التركيب فلا يمكن معرفته إلا من السياق0 ومعنى (الواو) في آية الزمر هو معنى الجمع0 وأعني به الجمع بين الشرط والجواب في الحدوث0 فمجيء أهل الجنة إلى الجنة، وفتح أبوابها لهم تمَّ حدوثهما في وقت واحد0 وهذا ما ذكرته في مقالي السابق0 وإلى نحو من هذا ذهب ابن جني، فقال في (باب خلع الأدلة) من كتابه: الخصائص:” ومن ذلك واو العطف؛ فيها معنيان: العطف، ومعنى الجمع0 فإذا وضعت موضع (مع) خلصت للاجتماع، وخلعت عنها دلالة العطف؛ نحو قولهم: استوى الماء، والخشبة “0
أما عن كون (الواو) أداة ربط فهذا ما يفهم من قول الفراء:” العرب تدخل (الواو) في جواب (لما) و (حتى إذا) وتلقيها“00 فالفراء في قوله هذا اكتفى برصد هذه الظاهرة اللغوية في لغة العرب، فذكر بذلك وظيفة (الواو) ولم يذكر شيئًا عن معناها0 لم يذكر متى تدخل هذه الواو، ولمَ تدخل؟ ومتى تلقى، ولمَ تلقى؟ وهذا ما ذكرناه نحن في هذا المقال0
ونظير هذه الواو في جواب (حتى إذا) الواو في جواب (لمَّا) 0 وأذكر عليها مثالاً واحدًا من القرآن الكريم؛ لن المجال لا يتسع لأكثر من ذلك؛ وهو قوله تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين} [الصافات:103 - 104] 0
جواب {فلما} - هنا- هو قوله تعالى: {ناديناه} 0 هذا ما ذهب إليه الفراء، وتابعه فيه الإمام الطبري، فقال في قوله تعالى {ناديناه}:” وهذا جواب قوله: {فلما أسلما} 0 ومعنى الكلام: فلما أسلما، وتلَّه للجبين، ناديناه أن يا إبراهيم0 وأدخلت الواو في ذلك، كما أدخلت في قوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها} 0 وقد تفعل العرب ذلك، فتدخل الواو في جواب (فلما) و (حتى إذا) وتلقيها “0
هذا قول الإمام الطبري، وهو مأخوذ بنصِّه عن الفراء0 وعليه تكون الواو رابطة لجواب (فلما) بشرطها0 ويكون معنى الآية الكريمة: فلما رضي إبراهيم- عليه السلام- بذبح ابنه، ورضي ابنه بأن يذبح، تصديقًا للرؤيا، وطاعة لأمر الله تعالى، وصرعه على جبينه للذبح، نودي من الجبل: أن يا إبراهيم! قد صدقت الرؤيا0 فتوقف إبراهيم- عليه السلام- عن ذبح ابنه00 فالسر في إدخال الواو على الجواب أنها جمعت بين حدثين: الأول منهما هو قوله تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين} 0 والثاني هو قوله تعالى: {ناديناه أن يا إبراهيم} 0 ولولا هذه الواو لتم الذبح، ولم يجدِ النداء شيئًا0
وهكذا يتبين لنا أن الله تعالى، لما أراد أن يوقف هذا الذبح، ويمنع وقوعه، قرن نداءه لإبراهيم - عليه السلام- بهذه الواو، التي قال البعض عنها: إنها زائدة، وقال البغض الآخر: إنها عاطفة، والجواب محذوف0
¥