بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل عبد الرحمن الشهري حفظه الله!
نزولاً عند رغبتك يا أخي، أشارك في التعليق على بعض ما ورد في لطائف بيانية للأخ محمد كالوا 0 وجزاه الله تعالى عنا كل خير على ما بذله من جهد ملحوظ، في جمع هذه اللطائف الدقيقة00 وابتداء أتوجه إلى الأخ محمد كالو بالسؤال الآتي:
ما الفرق بين (بلد ميِّت) - بتشديد الياء- وبين (بلدة ميْتًا) - بتخفيف الياء- في قوله تعالى:
{وهو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابًا ثقالاً سقناه لبلد ميِّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون} [الأعراف:57] 0
وقوله تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورًا* لنحيي به بلدة ميْتًا ونسقيه مما خلقنا أنعامًا وأناسي كثيرًا} [الفرقان:48 - 49]؟
أما عن الواو في (وهم بها) من قوله تعالى: {ولقد همت به وههم بها لولا أن رأى برهان ربه} فالظاهر أنها واو العطف00 ولعلماء النحو والتفسير في هذه الآية أقوال، أحدها ما ذكره الأخ محمد؛ وهو قولهم: ولقد همت به0 ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها0
وإلى هذا المعنى ذهب قطرب (وهو أحد تلامذة سيبويه)، وكذلك الشيخ محمد بن عطية0 وأنكر قوم هذا المعنى؛ منهم ابن الأنباري، وقالوا: تقديم جواب (لولا) عليها شاذ ومستكره، لا يوجد في فصيح كلام العرب، خلافًا لعلماء الكوفة00 ولهذا قالوا: جواب (لولا) محذوف0 قدره الزجاج بقوله: لولا أن رأى برهان ربه، لأمضى ما هم به00 وقدره ابن الأنباري بقوله: لولا أن رأى برهان ربه، لزنا0
وفي الحقيقة أن هذين القولين لا وزن لهما، ولا قيمة في علم العربية والتفسير0 ولعل الصواب من القول فيما نذكره من المعنى0 إن شاء الله تعالى00 وبيانه: أن الهمَّ في اللغة - كما ذهب إليه المحققون - هو نوعان:
همٌّ ثابتٌ؛ وهو ما كان معه عزم، وعقد، ورضا، مثل هم امرأة العزيز بيوسف عليه السلام00 وهم عارضٌ؛ وهو الخطرة، وحديث النفس، من غير اختيار، ولا عزم، مثل هم يوسف عليه السلام0 والأول معصية، وليس كذلك الثاني0 قال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} 00 ولأن هم يوسف- عليه السلام- ليس بمعصية، وحاشاه من ذلك- مدحه الله تعالى بقوله في آخر الآية: {إنه من عبادنا المخلصين} 0 ومما يدل على صحة هذا المعتى: أن هم زليخة بيوسف هم مطلق0 أما هم يوسف- عليه السلام- فهو هم مقيَّد ب (لولا) الشرطية0 وبيانه: أن قوله تعالى: {وهم بها} جملة قائمة بنفسها، مستقلة بذاتها؛ ولكنها مقيَّدة بالعبارة الشرطية التي تتقدمها أداة الشرط (لولا)؛ وهي قوله تعالى: {أن رأى برهان ربه} 0 وهذا ما يجعل الهم من يوسف- على حقيقته- ممتنعًا؛ وذلك بتقييده بـ (لولا) دون غيرها من أدوات الشرط0 ولهذا جاء في البحر المحيط لأبي حيان: (أنه لم يقع منه- عليه السلام- همٌّ ألبتة، بل هو منفيٌّ، لوجود رؤية البرهان؛ كما تقول: قارفتَ الذنب لولا أن عصمك الله تعالى0 ولا تقول: إن جواب (لولا) متقدم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك) 0
ومن قبله قال ثعلب- وهو تلميذ للفراء: (همت زليخة بالمعصية، وكانت مصرة، وهم يوسف، ولم يوقِع ما هم به0 فبين الهمين فرقٌ) 0
وفي هذا القدر كفاية لمن أراد الهداية، وبالله المستعان، والحمد لله رب العالمين0
محمد إسماعيل عتوك
ـ[محمد كالو]ــــــــ[05 Apr 2004, 08:59 ص]ـ
الأخ محمد إسماعيل عتوك المحترم
أشكرك على هذا التعليق، وخاصة تفصيل أقوال العلماء حول الواو في قوله تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} وحتى تتلاقح الآراء وتتناكح الأفكار، عسى أن تتولد بشيء جديد ومفيد أقول:
سؤالك يا أخي: ما الفرق بين (بلد ميِّت) - بتشديد الياء- وبين (بلدة ميْتًا) - بتخفيف الياء- في قوله تعالى:
{وهو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابًا ثقالاً سقناه لبلد ميِّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون} [الأعراف:57] 0
وقوله تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورًا* لنحيي به بلدة ميْتًا ونسقيه مما خلقنا أنعامًا وأناسي كثيرًا} [الفرقان:48 - 49]؟
جوابه:
أن الله سبحانه وتعالى تحدث في الآية الأولى عن (بلد ميِّت) بتشديد الياء: وهو غالباً ما يعبر به عن الحي الذي فيه الروح، ولكنه سوف يموت، وقد شبه الله تعالى هذا البلد بالإنسان الذي أشرف على الموت فأدركته رحمة الله تعالى فلن تخرج روحه بعد، وهو ينتظر حلول الأجل، وما أقرب هذا المعنى من (الأرض الخاشعة) في قوله تعالى:] وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير [(فصلت: 39).
والأرض الخاشعة هي الأرض الذليلة التي فيها حياة ونبات ولكنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتترنح على شفا جرف هار، تستغيث بخشوع وتذلل وانكسار وذبول لما أصابها من جفاف وقلة ماء.
والآية الثانية: (بلدة ميْتًا) - بتخفيف الياء- شبه الله تعالى هذه البلدة بالإنسان الذي مات فعلاً وخرجت روحه منه، وأصبح جثة هامدة، لذلك قال (لنحيي به بلدة ميْتًا).
وما أقرب هذا المعنى من (الأرض الهامدة) التي لا حياة فيها، قال الله تعالى:] وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج [(الحج: 5) فالأرض الهامدة: هي التي لا يكون فيها حياة ولا نبت ولا عود ولم يصبها مطر.
والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــ
محمد محمود كالو ـ ماجستير في التفسير وعلوم القرآن
www.muhmmdkalo.jeeran.com/images/
[email protected] 1 :
[email protected] 2 :
¥