تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقولي كما هو مثبت في مقالي السابق تعليقًا على هذه المسألة الآتي: (وحجتهم: أن لهذه الآية نظائر في القرآن الكريم؛ منها قوله تعالى: {والسماء ذات الرجع* والأرض ذات الصدع} [الطارق:11 - 12] 0 ولهذا قال الله تعالى بعد ذلك: {وجعلنا من الماء كل شيء} 0 أي: من الماء المنزل من السماء بعد فتقها) 0

ثم قلت:

(ولما اعترضهم مجيء لفظ (السموات) بالجمع، تأولوه بالمفرد؛ لأنهم يعلمون أن المطر لا ينزل من السموات كلها؛ وإنما ينزل من سماء واحدة0 ولهذا قالوا: إن الله تعالى قال: (السموات)؛ وهو يريد: السماء) 0

فهل ما قاله أبو مجاهد مطابق لما قلته أنا00 وإذا لم بكن كذلك- كما هو واضح- فلم نأخذ بعض الكلام، ونترك بعضه الآخر؟

ثانيًا- عندما يقول الطبري شيخ المفسرين: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال:00 فألا يعني هذا أن الطبري أسقط الأقوال الأخرى لأئمة الصحابة في تفسير هذه الآية، ولا حجة له في ذلك غير الذي ذكره من أدلة؟ وهل هذه الأدلة- إن صحت- كافية لإثبات قول، وإسقاط الأقوال الأخرى؟ أم الأدلة العلمية القطعية هي التي تحكم، فتثبت، وتنفي؟

الله تعالى يقول: {ألم تر أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما}، وهم يقولون في تأويله: (ألم تر أن السماء والأرض كانتا رتقين، ففتقناهما} 0

لقد قلت في مقالي السابق: (إذا كان المراد بالسموات: السماء، فلم لم يقل سبحانه وتعالى: ألم تر أن السماء والأرض، كما قال في غيرها من الآيات؟ وأقول هنا: (إذا كان المراد بقوله تعالى: (رتقًا): رتقين- كما قالوا- فلم لم يقل سبحانه: (ألم تر أن السموات والأرض كانت رتقين ففتقناهما)؟ ثم ما الحكمة من أن الله تعالى قال شيئًا، وأراد شيئًا آخر، كما قالوا؟

الله تعالى عندما يقول شيئًا فهو جل جلاله يعني ما يقول، وما على الذين يعرفون جوهر الكلام، ويدركون أسرار البيان إلا يتدبروا قول الله تعالى، ويتأولوه التأويل الصحيح00 الله تعالى عندما بأتي بلفظ السموات بالجمع؛ فإنما يريد التعبير عن حقيقة هذه السموات، وماهيتها، وعندما يأتي بلفظ السماء مفردًا؛ فإنما يريد التعبير عن صفة هذه السماء0 أما الأرض، فإذا ذكرت مع لفظ السموات، كان المراد منها الجمع، وإذا ذكرت مع لفظ السماء، كان المراد منها المفرد0 وهذا ما بينته في مقالي (سر مجيء لفظ السموات، بالجمع، وبالمفرد، خلافًا للفظ الأرض) 0

الله تعالى يقول: (ألم تر أن السموات والأرض) 0 فجمع بين السموات والأرض بواو العطف الجامعة، ثم قال: (كانتا رتقًا)، فدل بذلك على أنهما كانتا شيئين ملتصقين ببعضهما0 ثم قال سبحانه: (ففتقناهما}، فجاء بلفظ الفتق الذي يدل على الفصل بين شيئين كانا ملتصقين00 فهل كانت السماء ملتصقة بالمطر، ففتقهما الله تعالى؟ وهل كانت الأرض ملتصقة بالنبات، ففتقهما الله تعالى؟

لقد جاء العلم الحديث وأثبت بأدلة قاطعة، لا رجعة فيها- كما يقول الأستاذ الكبير زغلول النجار- ما أراده الله تعالى من هذه الآية الكريمة، وهو المعنى الذي رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما- وقاله الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير، رضي الله تعالى عنهم0

وقد قلت لأخي أبي مجاهد العبيدي في رسالة خاصة أجبت بها عن رسالته: (أما عن موضوع الآية يا أخي فقد اختلف في تفسيرها المفسرون، ونقلوا عن الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- فيها أقوالاً متضاربة، ثم جاء العلم الحديث، وقال كلمته فيها، وفي غيرها من الآيات الكونية، فحسم بذلك الخلاف منتصرًا للمعنى الذي ذكرته0 فما حسمه العلم، لا ينبغي العودة إليه، ولا يحق لأحد أن يخالف قولاً قال به بعض السلف، وأيد ه العلم، فضلاً عن اللغة العربية0

فالقول الذي ذكرته أنا في الآية ليس هو قولي، ولم أبتدعه من بنات أفكاري، إنه مرويٌّ أيضًا عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وعن الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير00 وهذا مذكور في معظم كتب التفاسير0 وهذا القول- كما ذكر الفخر الرازي- يوجب أن خلق الأرض مقدَّم على خلق السماء، وهذا ما قاله ابن عباس أيضًا، وأثبته العلم الحديث أيضًا0

فإذا كنت قد أخذت بهذا القول، فلا يعني هذا أنني أخالف السلف؛ وإنما يعني أنني آخذ ما صح، وثبت من أقوالهم، واللغة تؤيدني، والعلم يؤيدني) 0

ثم بعد هذا كله يرد علي أخي أبو مجاهد برده السابق، ثم يقول: (وأخيراً: مسألة رد الأقوال المأثورة عن السلف بما يسمى: دلالة العلم الحديث مسألة فيها خطورة، وهي مزلة قدم إذا لم تضبط بضوابط علمية) 0

ألا ترى يا أخي أبا مجاهد بعد هذا كله أن كثرة ما يقال، ويعاد في هذه الآية، وغيرها من الآيات الكونية، التي حسم العلم فيها الخلاف بأدلة علمية صحيحة، لا رجعة فيها- كما قال أستاذنا زغلول النجار- هو من الجدل العقيم، خلافًا لقولك في مقدمة تعليقك السابق: (أظن أن النقاش في مثل هذه المسألة ليس من باب الجدل العقيم الذي لا يجدي ولا ينفع)؟؟؟!!! 0

ثم إذا كنت بعد كل هذا الذي قيل في الآية الكريمة- كما تقول في تعليقك السابق: (أنا إلى الآن لم يترجح لدي قول من الأقوال المذكورة في تفسير الآية، يلزم من ترجيحي له إسقاط الأقوال الأخرى، وخاصة إذا كان لها شواهد تدل عليها) - فإنني أقول لك يا أخي هذا رأيك، وشأنك00 أما أنا فليس عندي ما أضيفه على ما قلت، وليست عندي الرغبة في تكرار، وإعادة ما قلت أكثر من ذلك00 وأسأل الله تعالى لي ولك ولجميع المؤمنين العفو والعافية، في الدين والدنيا والآخرة، والعصمة والسداد0 والله حسبي عليه توكلت، وإليه أنيب، والحمد لله رب العالمين0

محمد إسماعيل عتوك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير