هكذا كانت، قال ابن عمر: قد كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن علمت أنه قد أوتى في القرآن علماً.
فما الذي يدعو إلى عدم صحة هذا التفسير؟ وما الذي يدعو إلى استبعاد احتمال الآية له، إن لم يكن هو المعنى القريب للآية؟!
فلو أن الشيخ رحمه الله قرر أن أسلوب الآية صالح لفهم ما يقرره العلم الصحيح، مع صلاحيته لفهم ما قرره أئمتنا في معنى الآية لكان ذلك أنسب بمقامه العلمي بين أئمة المسلمين، ولكان أنسب برأيه الذي قرره صراحة في تجنيب القرآن التأويل الذي يعرضه للهزات التي استحدثها العلم.
فالقرآن لم يقرر أبدا النظية الانفصالية بين الشمس والقمر، ولكنه وهو في أفقه الأعلى من براعة البيان المعجز تحدث عن السماوات والأرض في صدد بيان جلال القدرة الإلهية حديثاً صبه في إطار لا يناقض علماً ثبت أو يثبت ثبوتاً لا يخالجه ريب، ولا تتوارد عليه الشبه والشكوك. على أن المتتبع لحديث القرآن عن السماوات والأرض يراه يذكر الأرض في مقابلة السماوات بصورة تدل بفحواها – إن لم يكن بظاهرها – على استقلال الأرض في خلقها كوكباً تعيش عليه الحياة الخاصة به بمن عليه وما عليه وما فيه من الموجودات، بل إن القرآن ينفسح لأكثر من هذه في دلالة ظاهرة على استقلال خلق الأرض عن السماوات، فهو يقول في سورة فصلت: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (فصلت:9 - 12)
فهذه الآيات الكريمة ظاهرة الدلالة على أن الأرض خلقت خلقاً مستقلاً عن السماوات، وجعلت فيها الجبال الرواسي لحفظها أن تميد فتختل الحياة فوقها .... ثم ذكر ربنا تبارك وتعالى السموات ذكراً مستقلاً بحرف يفيد عند أهل اللغة الوجود المتراخي لتقريب مراتب الخلق لعقول الخلق التي لا تدرك إلا ما عرفت وما ألفت وما يصح قياسه على المعروف لها المألوف .....
فنظرية انفصال الأرض عن الشمس لم يقررها القرآن الحكيم؛ فلا تصلح تفسيراً لآياته على أنه المعنى الذي يتحتم في فهم تعبير البيان القرآني.
ولو أن الناظرين في هداية القرآن أمعنوا النظر في مقاصد هذه الهداية لوجدوا أن تفسير رتق السماوات والأرض وفتقهما بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وتلقاه الأئمة بالرضا والقبول أقرب إلى تحقيق تلك المقاصد؛ لأنه المعنى الذي يفهمه كل من يتجه إليه بنظر الحس والعقل من عامة الناس وخاصتهم.
وتفسير رتق السماوات والأرض بنظرية الانفصال الشمسي التي قال بها العلم المستحدث بعيد عن مقاصد الهداية القرآنية، لا يفهمه من أسلوب البيان القرآني إلا من قصده متأولاً، ولا يفهمه علمياً إلا أخص الخاصة من العلماء الكونيين، والقرآن لم ينزل بهدايته لهؤلاء العلمانيين [هكذا في الكتاب الذي نقلت منه] وحدهم، وإنما نزل لهداية كافة البشرية على مستويات عقولهم وثقافاتهم.) انتهى مختصراً ص246 - 250
ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[28 Mar 2005, 05:20 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تعقيبًا على ما ذكره الأخ الفاضل أبو مجاهد العبيدي أقول وبالله المستعان:
1 - إذا كان أبو نعيم قد روى عن ابن عمر عن رجل عن ابن عباس- رضي الله عنهما- الرواية السابقة في تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} (الانبياء:30) - كما ذكر الأستاذ محمد الصادق محمد عرجون في رده على الأستاذ المراغي- فإن ابن عباس- رضي الله عنهما- قد قال في رواية عكرمة، والحسن البصري، وقتادة، وسعيد بن جبير: (كانتا شيئًا واحدًا ملتزقين، ففصل الله تعالى بينهما،
¥