خامساً: إذا كان لا بد من المفاضلة بين القولين؛ فالأمر كما قال الشنقيطي رحمه الله بعد ذكره للأقوال الخمسة في تفسير الآية: (فإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه الآية، فاعلم أن القول الثالث منها وهو كونهما كانتا رتقاً بمعنى أن السماء لا ينزل منها مطر، والأرض لا تنبت شيئاً ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات ـ قد دلت عليه قرائن من كتاب الله تعالى.
الأولى ـ أن قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ ?لَّذِينَ كَفَرُو?اْ أَنَّ} يدل على أنهم رأوا ذلك. لأن الأظهر في رأى أنها بصرية، والذي يرونه بأبصارهم هو أن السماء تكون لا ينزل منها مطر، والأرض ميتة هامدة لا نبات فيها. فيشاهدون بأبصارهم إنزال الله المطر، وإنباته به أنواع النبات.
القرينة الثانية ـ أنه أتبع ذلك بقوله: {مِنَ}. والظاهر اتصال هذا الكلام بما قبله. أي وجعلنا من الماء الذي أنزلناه بفتقنا السماء، وأنبتنا به أنواع النبات بفتقنا الأرض كل شيء حي.
القرينة الثالثة ـ أن هذا المعنى جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى: {وَ?لسَّمَآءِ ذَاتِ ?لرَّجْعِ وَ?لاّرْضِ ذَاتِ ?لصَّدْعِ} لأن المراد بالرَّجْع نزول المطر منها تارة بعد أخرى، والمراد بالصَّدْع: انشقاق الأرض عن النبات. وكقوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ ?لإِنسَـ?نُ إِلَى? طَعَامِهِ} {ثُمَّ شَقَقْنَا ?لاٌّرْضَ شَقّاً}. واختار هذا القول ابن جرير وابن عطية وغيرهما للقرائن التي ذكرنا. ويؤيد ذلك كثرة ورود الاستدلال بإنزال المطر، وإنبات النبات في القرآن العظيم على كمال قدرة الله تعالى، وعظم منته على خلقه، وقدرته على البعث. والذين قالوا: إن المراد بالرتق والفتق أنهما كانتا متلاصقتين ففتقهما الله وفصل بعضهما عن بعض قالوا في قوله {أَوَ لَمْ يَرَ} أنها من رأي العلمية لا البصرية، وقالوا: وجه تقريرهم بذلك أنه جاء في القرآن، وما جاء في القرآن فهو أمر قطعي لا سبيل للشك فيه. والعلم عند الله تعالى.
وأقرب الأقوال في ذلك ـ هو ما ذكرنا دلالة القرآئن القرآنية عليه، وقد قال فيه الفخر الرازي في تفسيره: ورجَّحوا هذا الوجه على سائر الوجوه بقوله بعد ذلك: {مِنَ ?لْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلاَ} وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم، ولا يكون كذلك إلاَّ إذا كان المراد ما ذكرنا.
فإن قيل: هذا الوجه مرجوح. لأن المطر لا ينزل من السموات بل من سماء واحدة وهي سماء الدنيا.
قلنا: إنما أطلق عليه لفظ الجمع لأن كل قطعة منها سماء. كما يقال ثوب أخلاق، وبرمة أعشار ا هـ منه.)
سادساً - أخي الفاضل الأستاذ محمد إسماعيل - لم يتبين لي وجه سؤالك الأخير: (ثم هل خلُقُ السموات والأرض- على ما فسر به الأستاذ عرجون آيات فصلت، التي استدل بها على أن الأرض خلقت خلقاً مستقلاً عن السماوات- قد تم في ستة أيام، أم تمَّ في ثمانية أيام؟)، فأرجو أن تبين لي وقصدك منه؟
سابعاً وأخيراً: أرجو أن يتسع صدرك لمناقشتي، ولا إخالك إلا محباً للمناقشة والحوار ....
ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[28 Mar 2005, 07:16 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم عليه أتوكل، وبه أستعين .. أما بعد.
أولاً- شكر الله لك- يا شيخ أبي مجاهد- ترحيبك بالأستاذ الكبير محمد إسماعيل عتوك، وجزاك عنه كل خير، مع أنه لا يرى نفسه- كما تراه أنت- إلا كبيرًا في السن .. وكنت أود أن تكون دعوتك له إلى المشاركة بغير هذه الطريقة، ومع ذلك فأنا أحترم ما تختاره من طرق وأساليب في دعوة الآخرين، ولا أجد في ذلك غضاضة.
ثانيًا- لقد نقلتَ يا أخي في الفقرة الخامسة عن الشنقيطي قوله: (وأقرب الأقوال في ذلك ـ هو ما ذكرنا دلالة القرآئن القرآنية عليه، وقد قال فيه الفخر الرازي في تفسيره: ورجَّحوا هذا الوجه على سائر الوجوه بقوله بعد ذلك: {مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلاَ} وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم، ولا يكون كذلك إلاَّ إذا كان المراد ما ذكرنا.
فإن قيل: هذا الوجه مرجوح. لأن المطر لا ينزل من السموات بل من سماء واحدة وهي سماء الدنيا. قلنا: إنما أطلق عليه لفظ الجمع لأن كل قطعة منها سماء. كما يقال ثوب أخلاق، وبرمة أعشار ا هـ منه.).
¥