الاشتقاق هنا يجىء من " يهر " وهو جذر ميت فى عبرية التوراة، لم يبق منه إلا " يهير " بمعنى الصليف ذى الصلف، فيفترضون أن " يهر " بمعنى " علا "، وعلى هذا القول تجىء " أهارون " من " يهر " مزيداً بالواو والنون على وزن الفاعل، فتصبح " يَهَرون "، ثم تؤول بحذف الياء البادئة إلى " هارون "، ثم تضاف ألف التحلية فيؤول إلى " أهارون " برسمها فى التوراة.
ولا غبار على هذا التفسير من حيث الاشتقاق فى العبرية، ولكن الذى يضعف منه هو انعدام الجذر " يهر " فى عبرية التوراة!
هذه هى المحاولات الثلاث، وجميعها موضع اختلاف بين علماء العبرية كما رأيت، أى ليس على أى منها إجماع، وهذا يدلك على أن علماء العبرية ليس لديهم مأثور يفسرون به هذا الاسم، وإنما هى اجتهادات لغوية ليس إلا.
ما هى كلمة القرآن فى هذا الصدد؟
لقد طرح القرآن هذه المعانى الثلاثة جانباً: الخفة أو المكيدة أو العلو، وفسر اسم " هارون " على معانى القوة والشدة والوزر.
يأتى هذا سهلاً سلساً دون افتعال، من " هار " العبرية بمعنى " جبل ".
وزِيدَ بالواو والنون .. إما على الصفة المشبهة (كما قالت العبرية " إشتون " من " إشت " أى شبيه المرأة)، فيكون " هارون " بمعنى شبيه الجبل .. وإما على التصغير تودداً وتحبباً، فيكون " هارون " بمعنى " جُبَيل ".
وأما الألف الملصقة بهذا الرسم فى العبرية " أهارون " فهى زائدة .. إما هى ألف التحلية كالتى فى " أدون " يعنى " سيد " وأصلها " دون " .. وإما هى أداة التعريف العربية " أل " حُذِفَت لامها، ولهذا نظائر فى العبرية يعرفها المتخصصون، لا نثقل بها عليك.
والذى ينبغى التنبيه إليه، أن " هار " العبرية بمعنى " جبل "، يكنى بها عبرياً عن القوة والثبات والصمود، تماماً كما يفعل أهل العربية فى لفظة " جبل "، بل لا تخلو أعلام العرب من " جبل " و " جبيل " و جبلة " .. بل من مجاز العبرية أن تكنى عن رؤساء الشعب بلفظة " هاريم " جمع جبل، وهو مجاز يفسره المعجم العبرى بعبارة " جدولى هاعام " أى أكابر الشعب، وبلفظة " معصاموت " أى القوة، ومنها فى العبرية المعاصرة " معصاموت جدولوت " يعنى القوى الكبرى.
" هارون " إذن يعنى " الجبل " أو " جبيل "!
ومن هنا أعرض القرآن عن المعانى الثلاثة المتهافتة لعلماء العبرية، وجانس اسم " هارون " على معنى القوة والشدة فى مثل قوله عز وجل على لسان موسى: " واجعل لى وزيراً من أهلى. هارون أخى. اشدد به أزرى ".
" وأخى هارون هو أفصح منى لساناً فأرسله معى ردءاً يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون. قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً، فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ".
" ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً ".
" وزيراً " .. " اشدد " .. " أزرى " .. " ردءاً " .. " سنشد " .. " عضدك " ..
هذه المجانسات القرآنية على الاسم " هارون "، والتى تحدد علة استنصار موسى بأخيه، لا تخرج عن معنى القوة والشدة، فشد أزره وشد عضده، يعنى قواه، والردء من معانيه فى العربية القوة والعماد، والوزارة أيضاً من هذا، فالوزير يعنى حامل الثقل، والوَزَر عربياً بفتحتين يعنى الجبل المنيع يعتصم به!
وقد فسر القرآن أيضاً " هارون " بأسلوب " التقابل " فى قول هارون يعتذر لأخيه فى فتنة العجل: " قال: ابن أم، إن القوم (استضعفونى) وكادوا يقتلوننى فلا تشمت بى الأعداء "!
ـ[محب]ــــــــ[31 Mar 2004, 08:59 م]ـ
إسرائيل
" إسرائيل " فى القرآن هى تعريب " يسرائيل " فى التوراة .. وقد فسر كاتب سفر التكوين اسم " إسرائيل " بأنه " مصارع الله "!
ظهر الله ليعقوب فى صورة رجل، تصارع معه الليل بطوله حتى مطلع الفجر، ولم يقدر على يعقوب! ولما رأى أنه لا يقدر عليه (بصورته الإنسية) استعان بسطوة ألوهيته فلمس حُق فخذ يعقوب، فينخلع حق فخذه، ويقول له: أطلقنى فقد طلع الفجر. لكن يعقوب لا يطلقه! بل يظل آخذاً بتلابيبه ويقول له: لا أطلقك حتى تباركنى. فيقول له: ما اسمك؟ فيقول: يعقوب. ويقول الرجل/الإله: لا يدعى اسمك بعد يعقوب، بل " إسرائيل "!
ثم يفسر له معنى هذا الاسم (يسرا + إيل) بقوله: لأنك صارعت الله والناس وقدرت.
¥