ثانيًا- أما المراد بالمشرقين، والمغربين في قوله تعالى: {رب المشرقين ورب المغربين}: مشرقا الصيف والشتاء، ومغرباهما0
ثالثًا- وأما المراد بالمشارق والمغارب في قوله تعالى: {رب المشارق والمغارب} مشارق الشمس، ومغاربها بعدد أيام السنة0 فإنها في كل يوم تشرق من مشرق، وتغرب في مغرب00 والله تعالى أعلم0
وهذا جواب عن سؤالك: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) 0 هل المقصود هم أهل الكتاب أم أنه أيضا في عهد الرسول من كانوا يفعلون ذلك ولماذا جاءت بصيغة المضارع؟
أولاً- الظاهر أن الآية نزلت في أحبار اليهود0 ولكن الحكم عام، كما دلت عليه الأخبار؛ لأن كونها نزلت في اليهود، لا يقتضي الخصوص0 فإن العبرة لعموم اللفظ، لا لخصوص السبب0 يدل على ذلك أن الموصول (الذي) يفيد ?لاستغراق، والعموم، ويدخل فيه من ذكر دخولاً أوليًّا00 ومن الأخبار الواردة في ذلك ما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- من قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم، فكتمه، جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار00 وقد روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: لولا آية من كتاب الله تعالى ما حدثت أحدًا بشيء أبدًا0 ثم تلا هذه الآية0
ثانيًا- أما التعبير عن ذلك الكتمان بالمضارع (يكتمون) فلأن المضارع يدل على تجدد الفعل باستمرار0 ولما كان الكتمان يتجدد منهم باستمرار في كل زمان ومكان، جاء التعبير عنه بصيغة المضارع0
وهذا جواب عن سؤالك: (ويسخرون من الذين أمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) 0 لماذا قال اتقوا ولم يقل آمنوا؟ ولماذا ختمت بقوله تعالى: (والله يرزق من يشاء بغير حساب)؟
أولاً- الذين آمنوا هم الذين اتقوا0 ولكن آثر سبحانه التعبير بالثاني مدحًا لهم بالتقوى، وليرينا أنه لا يسعد عنده إلا المؤمن المتقي، وليكون ذلك بعثًا للمؤمنين على التقوى، إذا سمعوا ذلك؛ إذ ليس كل مؤمن بتقيٍّ0
ثانيًا- المراد بالذين آمنوا فقراء المؤمنين؛ كابن مسعود، وعمار، وصهيب، وغيرهم من فقراء المؤمنين، الذين كان الكفرة يسخرون منهم0 وكأن الله تعالى أراد أن يقول لهؤلاء الكفرة: إن الذي رزقكم قادر على أن يرزق هؤلاء الفقراء0 ثم لو كانت هذه التوسعة عليكم بالرزق كرامة، لكان أولياؤه أحق بها منكم0 ولكن الله تعالى أراد أن يستدرجكم بالنعمة؛ كما استدرج غيركم من الكفار0
وهذا جواب عن سؤالك: تكرر في السورة: (يسألونك ماذا ينفقون) (ويسألونك ماذا ينفقون) 0 لماذا؟ هل لأن الجواب في المرة الأولى كان للميسورين وفي الثانية كان للفقراء؟ أم لأولوية وأهمية الإنفاق ثم العفو والعلاقات الاجتماعية؟
عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: أنه جار عمرو بن الجموح؛ وهو شيخ هرم، وله مال عظيم، فقال: ماذا ننفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟ فنزل قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون00} ? الآية الأولى0
وظاهر السؤال ?قتضي أن يكون الجواب مطابقًا له؛ كما في الآية الثانية: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} 00 ولكن الله تعالى أجاب عن السؤال الأول بقوله: {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين00} الآية، فبين في الجواب مصرف النفقة0 أي: الموضع ?لذي يجب أن توضع فيه0 وسبب ذلك:
أن قوله تعالى: {قل ما أنفقتم من خير} قد تضمَّن بيان ما ينفقونه؛ وهو كل خير، ثم بنى الكلام على ما هو أهم، وهو بيان المصرف؛ لأن النفقة لا يعتدُّ بها إلا أن توضع في موضعها0 قال أحد الشعراء:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة ++++ حتى يُصاب بها طريق المصنع
ولما لم يكن في هذا الجواب تصريحٌ بالمسئول عنه، أعيد السؤال؛ ليُجابَ عنه صريحًا، فقال سبحانه: {قل العفو) ? وهو الفاضل من النفقة الواجبة على العيال، أو نحو ذلك00 فتعيَّن بذلك اقتران هذا السؤال بالواو؛ ليرتبط بالسؤال الأول0 وهذا من الأسرار البديعة في البيان القرآني0
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد، والحمد لله رب العالمين0
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[13 Apr 2004, 05:06 م]ـ
قتل الأنفس الذي أُمربه بنو إسرائيل كان عقابًا لمن عبد العجل منهم، فأمر الذين لم يعبدوه أن يقتلوا عبدة العجل، فيكون قتل بعضهم لبعض قتلاً لأنفسهم من حيث كونهم جماعة واحدة يؤثر فيها نقص الواحد منهم.ويظهر أن هذا الأمر كان في شريعة موسى عليه السلام، ثم نُسِخ.
أما تفسير قتل النفس هوى النفس الأمارة بالسوء وشهواتها، فهذا بعيد جدًا عن مراد الآية التي تدلُّ على عقابٍ، وليس على أمر بتزكية النفوس بترك الشهوات.
....
أما تنكير حياة في قوله (ولتجدنهم أحرصالناس على حياة)، فقال السمين الحلبي: ((والتنكير في حياة تنبيه على أنه أراد حياة مخصوصة، وهي الحياة المتطاولة، ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قراءة أُبي (على الحياة) بالتعريف.
وقيل: إن ذلك على حذف مضاف تقديره: على طول حياة.
والظاهر أنه لا يحتاج إلى تقدير صفة ولا مضاف، بل يكون المعنى: أنهم أحرص الناس على مطلق حياة ... )) الدر المصون (2: 11).
وقال الطاهر بن عاشور: ((ونكَّر الحياة قصدًا للتنويع؛ أي: كيفما كانت تلك الحياة)) التحرير والتنوير (1: 617).
....
أما المشرق والمغرب فإفراده يشير إلى مطلق جهة الشرق وجهة الغرب.
وتثنيته إشارة إلى مشرقي الشتاء والصيف ومغربي الشتاء والصيف.
وأما جمع المشارق والمغارب فإشارة إلى مشارق الشمس في جميع أيام السنة وإلى مغاربها في جميع السنة، والله أعلم.
أما ما يتعلق بورد كل واحد منها في موطن فلا بد له من حكمة يحتاج الأمرفيها إلى البحث، والله الموفق.
¥