تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأمية هنا شرف عظيم لا يعادله شرف لأنها دليل واضح على صدق النبوة فمن لا يقرأ ولا يكتب ومع ذلك يجيء بما عجز ويعجز عنه الكاتبون القارئون العالمون لا يُشك في اعتبار أميته هنا دليلا على صدقه في دعوى نزول القرآن عليه وكذب دعوى أنه أنشأه من تلقاء نفسه فالأصل أن الأمي لا يقدر على ما يقدر عليه المتعلمون وليس العكس، فإذا ما حصل العكس فلابد أن ذلك بفعل عوامل خارجية قادرة على إحداث نتائج منفصمة عن مقدماتها، وهذا ما عرفناه في شرعنا بأنه الوحي.

وهذا يصلح أيضا إجابة عن كلام أخينا الكريم الذي قال فيه:

" فأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه لأنه رسول من الله، أمر معقول واجب, وأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه لأنه نبي الله، أمر واجب أيضاً، يستسيغه كل مدعو بهذه الآية, وأما أن يؤمر الناس جميعاً باتباعه، لأنه "لا يقرأ ولا يكتب"، فهمٌ فيه نظر، فلا خلاف أن اتباع "الكتاب" ومن يحمل الكتاب أولى من اتباع ما سواه"

ــــــــ

يقول فخر الدين الرازي عند تفسيره لقوله تعالى في سورة الأعراف: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} قال الزجاج: معنى {?لأُمِّىَّ} الذي هو على صفة أمة العرب. قال عليه الصلاة والسلام: [إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب] فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرؤون والنبي عليه الصلاة والسلام كان كذلك، فلهذا السبب وصفه بكونه أمياً

قال أهل التحقيق – والكلام لا زال للفخر -: وكونه أمياً بهذا التفسير كان من جملة معجزاته وبيانه من وجوه:

الأول: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ عليهم كتاب الله تعالى منظوماً مرة بعد أخرى من غير تبديل ألفاظه ولا تغيير كلماته والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها فإنه لا بد وأن يزيد فيها وأن ينقص عنها بالقليل والكثير، ثم إنه عليه الصلاة والسلام مع أنه ما كان يكتب وما كان يقرأ يتلو كتاب الله من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير. فكان ذلك من المعجزات وإليه الإشارة بقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى?} (الأعلى: 6)

والثاني: أنه لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهماً في أنه ربما طالع كتب الأولين فحصل هذه العلوم من تلك المطالعة فلما أتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلم ولا مطالعة، كان ذلك من المعجزات وهذا هو المراد من قوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَـ?بٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَـ?بَ ?لْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت: 48)

الثالث: أن تعلم الخط شيء سهل فإن أقل الناس ذكاء وفطنة يتعلمون الخط بأدنى سعى، فعدم تعلمه يدل على نقصان عظيم في الفهم، ثم إنه تعالى آتاه علوم الأولين والآخرين وأعطاه من العلوم والحقائق ما لم يصل إليه أحد من البشر، ومع تلك القوة العظيمة في العقل والفهم جعله بحيث لم يتعلم الخط الذي يسهل تعلمه على أقل الخلق عقلاً وفهماً، فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادتين جارياً مجرى الجمع بين الضدين وذلك من الأمور الخارقة للعادة وجار مجرى المعجزات. أ. هـ

إذن فتفسير الأمي بأنه الذي لا يقرأ ولا يكتب مؤيد بمايلي:

1 - كونه مستقيما مع الأصل اللغوي للكلمة

2 - كونه مؤيدا بالرواية

3 - كونه مساعدا على تقبل صدق دعوى النبوة ونزول القرآن.

4 - كونه معتمدا لدى جمهور المفسرين لقوة حجته

************

يقول الأخ الكريم:

وجب أن تكون "الأمّي" كصفة حصريَّة متفردة لهذا الرسول، وجب أن تكون ركناً وشرطاً أساساً في وجوب اتباعه من الناس كافة, كرُكني الرسالة والنبوة، يجد المدعو بهذه الآية نفسه طائعاً مقتنعاً بوجوب اتباعه لأنه "الأمّي" والرسول والنبي!.

ـــــــ

ونقول للأخ الفاضل لماذا وجب أن تكون الأمية صفة حصرية فيه؟

إن القرآن الكريم يقرر أن هذه الأمية موجودة في قومه الذين بعثه منهم قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} ومعنى هذا أن الأمية التي كان يتسم بها صلى الله عليه وسلم هي نفسها موجودة في قومه فهو واحد من أمة أمية فلم المغايرة في المعنى مع إدراجه صلى الله عليه وسلم معهم هنا؟

ولم يقل أحد بأنها شرط للنبوة أو ركن، وإلا كان قومه الأميون أنبياء، بل هي داعم لصدق النبوة. كما أن التعلم أيضا ليس شرطا للنبوة لكوننا متفقين على عدم معرفته صلى الله عليه وسلم للقراءة والكتابة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير