***********
وأما ماذهب إليه أخونا الكريم من احتمالات لمعنى الأمي وهي:
أن الأمي بمعنى الأصل والمعنى عليه " النبي الأصل " فهذا معارض بالنصوص القرآنية التي لم تفرق بين الرسل فكلهم سواء لا ينشطرون إلى أصل وفرع من جهة النبوة قال تعالى:
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}
وهو صلى الله عليه وسلم يؤكد أنه تتمة البناء الذي شيده الأنبياء قبله وذلك في حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم قال قال رسول الله صلى وسلم " مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون. منها ويقولون لولا وضع اللبنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء]
ولأن معنى الأصل الذي قرره الأخ الكريم هنا يصطدم بكونه آخر الأنبياء والأصل لا شك مقدم فإن الأخ الكريم يبرر هذا بكون هذه الأولية كائنة في علم الله مستدلا بحديث " إني عند الله مكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته" ولست أدري أي دليل في ذلك على المعنى المذكور، فكل ما وقع ويقع هو في علم الله وليس فقط كونه صلى الله عليه وسلم نبيا، كما أنه لا دليل على صحة ذلك من الآية المذكورة من سورة آل عمران {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين} ولا من حديث "لو كان موسى حياً ما حل له إلا أن يتبعني " فكل ما فيه الإشارة إلى صحة نبوته صلى الله عليه وسلم والدلالة على أنه خاتم النبيين وأن موسى عليه السلام لو كان حيا لاتبعه على ذلك.
**********
وهنا يقول الأخ الكريم:
وهذا كله لا ينفي أنه لم يكن يقرأ ويكتب، فهو هكذا بعث وهكذا قُبض، ولكن "القرآن" يذْكرها على أنها حالة من حالات نبوته كيُتْمِه وفقره، ولم تكن بحال شرطاً للنبوة ولا شرفاً لحاملها، إنما هي حالة كما قلنا تُعين على التبليغ, {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون}، ولو كانت شرفاً وشرطاً للنبوة لما علم الله عيسى بن مريم الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل قبل مبعثه.
ـــــــــــــــــ
وهنا نقول للأخ الكريم: نتفق معك في أن الأمية ليست شرطا للنبوة بدليل حصول النبوة لمتعلمين لكن لا نتفق معك في دعوى أنها ليست شرفا في حال النبي صلى الله عليه وسلم بل هي شرف من جهة كونها دعامة على صدقه كما أسلفنا، والأخ هنا يقر بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ أو يكتب لكنه لا يقر أن هذا هو المراد في الآية بدعوى أن ذلك لا يعد شرفا، وبمنطق التقابل لدى الأخ العزيز فإنه يعد نقيصة فهل يليق نسبة نقيصة إليه صلى الله عليه وسلم أو أن يكون على حال ناقصة؟ كيف وهو أكمل الناس؟
صلى الله وسلم وبارك عليه
وقياس حالته صلى الله عليه وسلم على حالة عيسى عليه السلام قياس مع الفارق لأن كل نبي تأيد بآية من جنس ما برع فيه قومه فبنو إسرائيل قوم علماء أهل كتاب فكان لابد من أن يفوقهم عيسى عليه السلام في ذلك وفي علم الطب الذي يذكر أنهم برعوا فيه أيضا بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث في قوم أميين قد برعوا في البلاغة واللسن إذن فلابد من أن يكون أميا مثلهم ثم يأتي بما هو أرقى مما جاءوا به بل أرقى مما جاء به المتعلمون منهم حد الإعجاز
*************
ثم يذكر الأخ الكريم رأيا ثانيا وهو أن النسبة إلى أم من أم القرى وهي مكة المكرمة وهو رأي تعرض له المفسرون بيد أن أخانا يضيف بعدا خاصا هو أن مكة مركز الأرض " وأصل نشأة الناس وانتشارهم، ليكون بذلك النبي "الأمّي" للناس جميعاً, كونه من "أم قراهم"، ومن "بيت" أبيهم الأول، وإن تباعدت بهم السبل وتفرقت بهم الأرضون، فهذه أرضهم "وبيت" أبيهم آدم من قبل, فهو لهم كافة "
ـــــــــــ
¥