الثاني: أن كون هارون أملك لأعصابه من موسى لا يعني التفضيل من كل الوجوه وأنه أفضل منه بإطلاق، كما في الأية السابقة، ولقد سمعت في أحد الأشرطة لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين كلاما مؤداه: أن علي أفضل من أبي بكر من جهة أنه ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم- وزوج ابنته ووالد أحفادة، وهذا كله ليس لأبي بكر - رضي الله عنه- وهذا لا يعني أنه أفضل من أبي بكر بإطلاق، وهذا مثله مثل حديث [فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ]
قال ابن حجر:
عَلَى أَنَّ حَدِيث " لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْر خَمْسِينَ مِنْكُمْ " لَا يَدُلّ عَلَى أَفْضَلِيَّة غَيْر الصَّحَابَة عَلَى الصَّحَابَة , لِأَنَّ مُجَرَّد زِيَادَة الْأَجْر لَا يَسْتَلْزِم ثُبُوت الْأَفْضَلِيَّة الْمُطْلَقَة , وَأَيْضًا فَالْأَجْر إِنَّمَا يَقَع تَفَاضُله بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُمَاثِلهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَل فَأَمَّا مَا فَازَ بِهِ مَنْ شَاهَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زِيَادَة فَضِيلَة الْمُشَاهَدَة فَلَا يَعْدِلهُ فِيهَا أَحَد.اهـ
مسألتنا ليست كما ذكرتَ في هاتين النقطتين، لأن التفضيل من أوجه دون أخرى ليس واردًا هنا، ولسنا في مقام الحكم المطلق أيضًا ..
نحن أمام موقف موسى عليه السلام وموقف هارون عليه السلام مقابل تصرف واحد من قوم موسى من بعده.
هارون لم يفعل ما فعله موسى، فسيد قطب رحمه الله فضَّل موقف هارون مقابل هذا التصرف على موقف موسى مقابل هذا التصرف أيضًا.
إذًا التفضيل هنا من قبل سيد قطب جاء على موقف واحد، وليس أن هارون كان أفصح من موسى أو أن موسى أفضل من جهة كذا وهارون أفضل من جهة كذا ..
ثالثا: أن هدوء أعصاب هارون نظرا لما يعلمه من قوم موسى إذا فعل ما فعل موسى بعد ذلك من تحريق العجل مما جعله يعلم أنهم سيفترقون بخلاف ما لو كان موسى موجود أصلا كما كان الحال، فشدة موسى كانت مناسبة في مكانها، وهدوء أعصاب هارون التي هي بدون شك يتفضل فيها عن موسى كانت في موقفها المناسب، من أجل هذا ذكر ابن كثير في تفسير هذه الأية في سورة الأعراف حديث [ليس الخبر كالمعاينة].
ما ذكرته هنا هو على العكس من كلام سيد قطب الذي امتدح فعل هارون، لأن المفسدة التي خشيها هارون حصل ما هو أكبر منها! وهي اتباع السامري واتخاذ العجل. فلا وجه لتفضيل هدوء أعصاب هارون على تصرف موسى مع وجود هذه النتيجة التي أغضبت موسى عليه السلام.
وكلام العلماء في تفسير الآية يؤيد ما ذكره سيد ولا يعارضة فقط أنصح بالرجوع إلى التفاسير كابن كثير على سبيل المثال، وستجدوا أن سيد مصيب جدا في عبارته، بل صاغ كلام المفسرين بأسلوبه الأدبي فاجاد العبارة.
وهذا ليس مهناه أنه مصيب في كل عباراته طبعا، ولكننا أمام عبارة معينة.
والله تعالى أعلم.
تكرمًا انقل لنا ما يؤيد سيد قطب من كلام المفسرين ..
وللحديث صلة معك أخي الحبيب ..