كُلٌّ مِن الوجهينِ لهُ وَجْهٌ، أمّا الذينَ قالوا إنّ {مِنَ} التبعيضية اسمٌ يُرجِّحُ قولهم أنّا لا نحتاجُ إلى تقديرٍ في الآيةِ، وإذا دَارَ الكلامُ بينَ التقديرِ وعَدمِهِ فعدمُ التقديرِ أَوْلَى؛ لأنّ الأصلَ عدمُ الحذفِ، وأمّا الثاني فيقوّيهِ أنّ {مِنَ} التبعيضية حرفٌ، واستعمالها اسمًا إخراجٌ لها عن موضوعها الأصليِّ ". ()
وإضافةً لما سبقَ فلقد أكْثَرَ الشيخُ رحمه الله مِن ذِكْرِ القواعد الإعرابيّة في تفسيره، وهي على سبيل المثال:
– جوابُ الشرطِ يلي المشروطَ مباشرةً. ()
– الضميرُ يعودُ إلى اقربِ مَذكورٍ ما لم يمنع مِنه مانعٌ. ()
– ضميرُ الشأنِ يُقدَّرُ بما يقتضيه السياقُ. ()
– يجب أنْ تُؤخذ القواعد مِن القرآنِ لِيُحكمَ لها لا عليها. ()
– القرآنُ حاكمٌ وليسَ مَحكومًا عليهِ. ()
– ليسَ في القرآنِ ما هو شاذٌّ أبدًا. ()
– لا يُجمع بينَ المفسِّرِ والمفسَّرِ. ()
– إذا وُجِدَتْ كلمتانِ إحداهما مَعرفةٌ والأخرى نكرةٌ، وأمكنَ أنْ تكونَ المعرفةُ هي المبتدأَ فلتكُنْ هي المبتدأ. ()
– كلّما جاءت (مِن) بعد اسمِ الشرطِ أو الأسماءِ الموصولةِ فهي بيانيّةٌ. ()
– كُلُّ حرفِ جَرٍّ زائد فهو مِن أدواتِ التوكيدِ. ()
– إذا أمكنَ أنْ يعودَ اسم الإشارةِ أو الضمير إلى كُلِّ ما سبقَ فَمُعَوَّلٌ عليه. ()
– همزةُ الاستفهام إذا دخلتْ على ما يُفيد النَّفْيَ أفادتِ التقريرَ. ()
– (كذلكَ) تكونُ مفعولاً مُطلقًا للفعلِ الذي بعدها. ()
– إذا تعدّدت الشروطُ (إنْ) أو (إذا) أو ما اشبهها فإنّ الشرطَ التالي الأخير شرطٌ فيما قبلهُ. ()
– إذا جاءت (إلاّ) بعد (إنْ) فهي – أيْ (إن) – بمعنى (ما) أيْ نافية. ()
– متى اختلفَ علماءُ النحوِ في إعرابِ كلمةٍ أو جملةٍ فإنّنا نأخذُ بالأسهلِ ما دام المعنى يحتملهُ. ()
– لا يُحمل كلامُ الله ? على مُجرّدِ الاحتمالِ النحويِّ بل لا بُدَّ مِن تأمّلِ المعنى.
وهذه القاعدةُ مِن القواعد الإعرابيّةِ المهمّةِ، وسأتكلّمُ عنها لأهمّيتها، فعند تفسيره لقوله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (يّس:6) قرَّرَ أنّ {مَا} نافيةٌ، ثمّ قالَ:" قال بعضُ المُعْرِبينَ الذينَ يجمعونَ الأقوالَ - صَحَّتْ أو لم تصحَّ أيْ أنّهم يقولوا أيَّ احتمالٍ – قالوا: ويجوز أنْ تكونَ {مَا} مَوصولةً، ويجعلون العائدَ مَحذوفًا تقديرهُ: الذي أُنذرَ آباؤهم: أيْ لِتُنذرهم الذي أنذره آباؤهم ()، ولكن هذا وإنْ كانَ مُحتملاً مِن قِبَلِ اللفظِ، لكن بعيد مِن جهةِ المعنى، لأنّ الآيات الكثيرة المتعدّدةِ تدلُّ على أنّ قريشًا الذي بُعثَ فيهم النبيُّ محمد ? لم يُنذر آباؤهم، ومِنه قوله تعالى في سورة الم السجدة: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} (السجدة: من الآية3) وهذا صريحٌ في أنّ {مَا} هنا للنَّفْيِ لا غير ". ()
قُلْتُ: وهذه القاعدةُ مهمّةٌ للمفسِّرِ قرَّرها غيرُ واحدٍ مِن أهل العلمِ مِنهم شيخُ الإسلامِ ابن تيمية والزركشيُّ والسيوطيُّ ()، وقالَ ابنُ القيّمِ:" وينبغي أنْ يُتفطّنَ هَهُنَا لأمرٍ لا بُدَّ مِنه: وهو أنّه لا يجوزُ أنْ يُحملَ كلامُ الله ? ويُفسَّرَ بِمُجرّدِ الاحتمالِ النحويِّ الإعرابيِّ الذي يَحتملُهُ تركيبُ الكلامِ ويكونُ للكلامِ بهِ لَهُ مَعنًى مَا، فإنّ هذا مقامٌ غَلِطَ فيه أكثرُ المعْرِبينَ للقرآنِ، فإنّهم يُفسِّرُونَ الآيةَ ويُعرِبُونَها بما يحتملهُ تركيبُ تلكَ الجملةِ، ويُفهم مِن ذلكَ التركيب أيَّ معنًى اتّفقَ،وهذا غلطٌ عظيمٌ يقطعُ السامعُ بأنّ مُرادَ القرآنِ غيرهُ". ()
هذه أهم القواعد الإعرابية التي أشار إليها الشيخ في تفسيره،ومن ملامح منهجه أيضًا:
2 – بيانُ ما أشْكَلَ إعرابهُ مِن الآياتِ والجوابُ عنه
وقد تقدّم الحديثُ عن ذلكَ والتمثيلُ له في مبحث: مُشْكِلِ القرآنِ.
3 – رُبّمَا استنبطَ فائدةً علميّةً بناءً على مسألةٍ نحويّةٍ
مثال ذلكَ:
عند تفسيره لقوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} (البقرة: من الآية87)
¥