ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[03 Oct 2007, 10:45 م]ـ
ترددُ أبي حيان في الاختيار في مرجع الضمير في قوله: (فُزِّعَ عن قلوبهم) ظاهرٌ كما تفضلتم، ولا غرابة أن يقع الترددُ من المفسِّرِ في مسألةٍ من المسائل، وهذه مسألةٌ جديرة بالبحث وهي (تردد المفسرين في الترجيح وأسبابه). وقد مرَّ بي كثير من المواضع التي يُصرِّحُ المفسرُ فيها بالتردد والمواضع التي يظهر فيها تردده وإن لم يصرح كما هنا، وأسباب التردد كثيرة، وبحثه في أسباب اختلاف المفسرين وكتبه، ولا أذكر أنه مر بي بحث مفصل لمواضع هذا التردد عند أهل التفسير.
وأما مرجع الضمير في قوله: (فُزِّعَ عن قلوبهم) فالذي يبدو – والله أعلم – أنه يعود على الشافعين والمشفوع لهم جميعاً، حيث إنه مفهوم الكلام، وسياق الآية يدل عليه ولا يرده، وفيه جمعٌ بين القولين التي قال بها المفسرون.
ولذلك قال الزمخشري: (فإن قلت: بما اتصل قوله: {حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} ولأي شيء وقعت حتى غاية؟
قلت: بما فُهم من هذا الكلام من أنّ ثم انتظاراً للإذن وتوقعاً وتمهلاً وفزعاً من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن؟ وأنه لا يطلق الإذن إلاّ بعد مليِّ من الزمان، وطول من التربص، ومثل هذه الحال دلّ عليه قوله عزّ وجلّ {رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا الرحمن لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ: 37 - 38] كأنه قيل: يتربصون ويتوقفون كلياً فزعين وهلين، حتى إذا فزع عن قلوبهم، أي: كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزّة في إطلاق الإذن: تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضاً {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ} قال {الحق} أي القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى).
وأما الإمام الطبري رحمه الله فقد رجح أن الضمير يعود على الملائكة لورود الخبر بذلك عن عدد من السلف، مع أنه نقل القول: إنهم المشركون وهم المشفوع لهم، عن عدد من المفسرين. غير أنه ختم الأقوال بقوله:
(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي ذكره الشعبي عن ابن مسعود – أي أنهم الملائكة- لصحة الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بتأييده. وإذ كان ذلك كذلك، فمعنى الكلام: لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له أن يشفع عنده، فإذا أذن الله لمن أذن له أن يشفع فزع لسماعه إذنه، حتى إذا فزِّع عن قلوبهم فجلِّيَ عنها، وكشف الفزع عنهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالت الملائكة: الحق، (وَهُوَ الْعَلِيُّ) على كل شيء (الْكَبِيرُ) الذي لا شيء دونه.
والعرب تستعمل "فزِّع" في معنيين فتقول للشجاع الذي به تنزل الأمور التي يفزع منها: هو مفزَّع، وتقول للجبان الذي يفزَع من كل شيء: إنه لمفزَّع، وكذلك تقول للرجل الذي يقضي له الناس في الأمور بالغلبة على من نازله فيها: هو مغلِّب، وإذا أريد به هذا المعنى كان غالبًا، وتقول للرجل أيضًا الذي هو مغلوب أبدًا: مغلَّب).
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[04 Oct 2007, 05:55 ص]ـ
للطاهر ابن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير) حديث طويل عن هذا المقطع من الآية، أنقله هنا كاملا:
" ....
وقوله: {حتى إذا فزع عن قلوبهم} {حتى} ابتدائية وهي تفيد ارتباط ما بعدها بما قبلها لا محالة فالضمائر التي في الجملة الواقعة بعد {حتى} عائدة على ما يصلح لها في الجُمل التي قبلها. وقد أفادت {حتى} الغاية بأصل وضعها وهي هنا غاية لما أفهمه قوله: {إلا لمن أذن له} من أن هنالك إذناً يصدر من جانب القدس يأذن الله به ناساً من الأخيار بأن يشفعوا كما جاء تفصيل بعض هذه الشفاعة في الأحاديث الصحيحة وأن الذين يرجون أن يشفع فيهم ينتظرون ممن هو أهل لأن يشفع وهم في فزع من الإِشفاق أن لا يؤذن بالشفاعة فيهم، فإذا أذن الله لمن شاء أن يشفع زال الفزع عن قلوبهم واستبشروا إذ أنه فزع عن قلوب الذين قبلت الشفاعة فيهم، أي وأيس المحرومون من قبول الشفاعة فيهم. وهذا من الحذف المسمى بالاكتفاء اكتفاء بذكر الشيء عن ذكر نظيره أو ضده، وحسنه هنا أنه اقتصار على ما يسرّ المؤمنين الذين لم يتخذوا من دون الله أولياء.
¥