ـ[روضة]ــــــــ[10 Feb 2007, 04:32 م]ـ
للأستاذ الدكتور مصطفى المشني كتاب بعنوان: (مدرسة التفسير في الأندلس)، تحدث فيه عن المفسرين الأندلسيين، واتجاهاتهم، واعتقاداتهم، ... إلخ.
وأفرد فصلاً للحديث عن الاتجاه الاعتزالي، افتتحه ببيان أصول المعتزلة الخمسة، وشرحها، ثم عرض من أقوال المفسرين ما يتعلق بهذه الأصول، كلّ على حدة، وعلى رأسهم القاضي ابن عطية. [وهذه المشاركة تلخيص لأهم ما ورد في كتاب الدكتور مما يتعلق بالقاضي ابن عطية].
فيما يتعلق بالأصل الأول من أصول المعتزلة، وهو التوحيد، والذي ينكرون في ضوئه أزليّة صفات الله تعالى، لما يلزم منها ـ حسب قولهم ـ المشابهة للحوداث، فقد أثبت ابن عطية أزلية الصفات خلافاً للمعتزلة الذين نفوا القدم عنها بموجب الأصل الأول عندهم، وهو التوحيد.
يقول ابن عطية في تفسيره لقوله تعالى: {وَلَوْ يَرَى ?لَّذِينَ ظَلَمُو?اْ إِذْ يَرَوْنَ ?لْعَذَابَ أَنَّ ?لْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً}: "وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة".
وقد ذهبت المعتزلة إلى استحالة رؤية الله في الدنيا والآخرة، وأما أهل السنة فيقولون بالمنع في الدنيا، والجواز في الآخرة، ونرى ابن عطية يقول عند تفسيره لقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ ?لأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ?لأَبْصَارَ وَهُوَ ?للَّطِيفُ ?لْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]: "أجمع أهل السنة على أن الله تعالى يرى يوم القيامة، يراه المؤمنون وقاله ابن وهب عن مالك بن أنس، والوجه أن يبين جواز ذلك عقلاً ثم يستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز، واختصار تبيين ذلك يعتبر بعلمنا بالله عز وجل، فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان ولا متحيز ولا مقابل ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود، جاز أن نراه غير مقابل ولا محاذى ولا مكيفاً ولا محدوداً، وكان الإمام أبو عبد الله النحوي يقول: مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة ثم ورد الشرع بذلك وهو قوله عز وجل:
{وجوه يؤمئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة:22] وتعدية النظر يأتي إنما هو في كلام العرب لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار على ما ذهبت إليه المعتزلة، وذكر هذا المذهب لمالك فقال: فأين هم عن قوله تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطفّفين:15].
قال القاضي أبو محمد: فقال بدليل الخطاب ذكره النقاش، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما صح عنه وتواتر وكثر نقله: إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر ونحوه من الأحاديث على اختلاف ترتيب ألفاظها، وذهبت المعتزلة إلى المنع من جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة، واستحال ذلك بآراء مجردة، وتمسكوا بقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار}، وانفصل أهل السنة عن تمسكهم بأن الآية مخصوصة في الدنيا، ورؤية الآخرة ثابتة بأخبارها، وانفصال آخر، وهو أن يفرق بين معنى الإدراك ومعنى الرؤية، ونقول إنه عز وجل تراه الأبصار ولا تدركه، وذلك الإدراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته، وذلك كله محال في أوصاف الله عز وجل، والرؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرائي بالمرئي ويبلغ غايته، وعلى هذا التأويل يترتب العكس في قوله {وهو يدرك الأبصار} ويحسن معناه، ونحو هذا روي عن ابن عباس وقتادة وعطية العوفي، فرقوا بين الرؤية والإدراك، وأما الطبري رحمه الله ففرق بين الرؤية والإدراك واحتج بقول بني إسرائيل إنَّا لمدركون فقال إنهم رأوهم ولم يدركوهم.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا كله خطأ؛ لأن هذا الإدراك ليس بإدراك البصر، بل هو مستعار منه أو باشتراك، وقال بعضهم إن المؤمنين يرون الله تعالى بحاسة سادسة تخلق يوم القيامة، وتبقى هذه الآية في منع الإدراك بالأبصار عامة سليمة، قال: وقال بعضهم: إن هذه الآية مخصوصة في الكافرين، أي إنه لا تدركه أبصارهم لأنهم محجوبون عنه".
******************************
أما فيما يتعلق بالأصل الثاني، وهو العدل، الذي يعني عند المعتزلة أن أفعال الله كلها حسنة، وأنه لا يفعل القبيح، ولا يخلّ بما هو واجب، يلزم من هذا أن الله لا يرزق الحرام، بل الحلال فقط، ولا تتعلق إرادته بالقبيح والشر، كما أنه لا يخلق أفعال العباد، بل هم يخلقون أفعالهم بقدرة أودعها فيهم.
ردّ الإمام ابن عطية هذا الأصل، حيث قال عند قوله تعالى: {?لَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِ?لْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ?لصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3]: "والرزق عند أهل السنة. ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حراماً، بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق".
وقال حين فسر قوله تعالى: {وَأَنزَلَ مِنَ ?لسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ?لثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]: "وانطلق اسم الرزق على ما يخرج من الثمرات قبل التملك، أي هي معدة أن يصح الانتفاع بها فهي رزق، ورد بهذه الآية بعض الناس قول المعتزلة إن الرزق ما يصح تملكه، وليس الحرام برزق".
وردّ في قضية خلق الأفعال، وقرّر عقيدة أهل السنة، وهي أن الله تعالى خالق أفعال العباد، وليس للعباد إلا الكسب، وبه يكون التكليف، وعليه يكون الثواب والعقاب.
عند قوله تعالى: {قُلْنَا ?هْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:]، قال: "وفي قوله تعالى: {مني} إشارة إلى أن أفعال العباد خلق لله تعالى".
وقال: "وفي قوله تعالى: {والله يهدي من يشاء} [البقرة: 213] رد على المعتزلة في قولهم إن العبد يستبد بهداية نفسه".
أما قول المعتزلة إن الحسن ما حسّنه العقل، والقبيح ما قبّحه العقل، فقد ردّه ابن عطية بشكل صريح في تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِ?لسُّو?ءِ وَ?لْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ?للَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]، قال: "ثم استعملت اللفظة فيما يستقبح من المعاني، والشرع هو الذي يحسن ويقبح، فكل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء".
يتبع ...
¥