تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[روضة]ــــــــ[10 Feb 2007, 04:34 م]ـ

الأصل الثالث: الوعد والوعيد، الذي يقتضي وجوب الثواب والعقاب على الله تعالى، وإلا لزم الخُلف في وعده ووعيده، فمرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب، فهو مخلّد في النار، لأن وعد الله له كذلك، ويترتب على هذا ـ عندهم ـ نفي الخروج من النار بالشفاعة، ولا بغيرها.

قال الدكتور مصطفى المشني: وفي هذا يتجلى اتجاه المفسرين الأندلسيين، وفي مقدمتهم ابن عطية، في الرد على المرجئة والمعتزلة والخوارج، وذلك بذكر أقوالهم في مرتكب الكبيرة، ثم ذكر عقيدة أهل السنة والانتصار لها، على أنها عقيدة أهل الحق والصواب.

يقول ابن عطية عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ ?للَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِ?للَّهِ فَقَدِ ?فْتَرَى? إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48]: "هذه مسألة الوعد والوعيد، وتلخيص الكلام فيها أن يقال: الناس أربعة أصناف، كافر مات على كفره، فهذا مخلد في النار بإجماع، ومؤمن محسن لم يذنب قطّ ومات على ذلك، فهذا في الجنة محتوم عليه حسب الخبر من الله تعالى بإجماع، وتائب مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة، ومذنب مات قبل توبته، فهذا موضع الخلاف.

فقالت المرجئة: هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته، وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة في الكفار، وآيات الوعد عامة في المؤمنين، تقيّهم وعاصيهم.

وقالت المعتزلة: إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد.

وقالت الخوارج: إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له، لأنهم يرون كل الذنوب كبائر، وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعد كلها مخصصة في المؤمن المحسن الذي لم يعص قط، والمؤمن التائب، وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كفاراً أو مؤمنين.

وقال أهل السنة والحق: آيات الوعد ظاهرة العموم، وآيات الوعيد ظاهرة العموم، ولا يصح نفوذ كلها لوجهه بسبب تعارضها، كقوله تعالى: {لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى} [الليل 15 - 16] وهذه الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد والوعيد وقوله: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم} [الجن:23].

فلا بد أن نقول: إن آيات الوعد لفظها لفظ عموم، والمراد بها الخصوص في المؤمن المحسن، وفي التائب، وفيمن سبق في علمه تعالى العفو عنه دون تعذيب من العصاة، وأن آيات الوعيد لفظها عموم، والمراد بها الخصوص في الكفرة وفيمن سبق في علمه تعالى أنه يعذبه من العصاة، وتحكم بقولنا: هذه الآية النص في موضع النزاع، وهي قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فإنها جلت الشك وردت على الطائفتين، المرجئة والمعتزلة، وذلك أن قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به} فصل مجمع عليه، وقوله: {ويغفر ما دون ذلك} فصل قاطع بالمعتزلة راد على قولهم رداً لا محيد عنه، ولو وقفنا في هذا الموضع من الكلام لصح قول المرجئة، فجاء قوله {لمن يشاء} راداً عليهم، موجباً أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم، بخلاف ما زعموه من أنه مغفور لكل مؤمن.

قال القاضي ابو محمد: ورامت المعتزلة أن ترد هذه الآية إلى قولها، بأن قالوا: " من يشاء " هو التائب، وما أرادوه فاسد، لأن فائدة التقسيم في الآية كانت تبطل، إذ التائب من الشرك يغفر له.

قال القاضي أبو محمد: ورامت المرجئة أن ترد الآية إلى قولها، بأن قالوا: {لمن يشاء} معناه: يشاء أن يؤمن، لا يشاء أن يغفر له، فالمشيئة معلقة بالإيمان ممن يؤمن، لا بغفران الله لمن يغفر له، ويرد ذلك بأن الآية تقتضي على هذا التأويل أن قوله: {ويغفر ما دون ذلك} عام في كافر ومؤمن، فإذا خصص المؤمنون بقوله {لمن يشاء} وجب أن الكافرين لا يغفر لهم ما دون ذلك، ويجازون به.

قال القاضي أبو محمد: وذلك وإن كان مما قد قيل - فهو مما لم يقصد بالآية على تأويل أحد من العلماء، ويرد على هذا المنزع بطول التقسيم، لأن الشرك مغفور أيضاً لمن شاء الله أن يؤمن".

والحديث عن الأصل الثالث، تضمن بيان رأيه في الأصل الرابع عند المعتزلة، وهو أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين.

أما الأصل الخامس للمعتزلة، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم تثر حوله خلافات مذهبية بين أهل السنة والمعتزلة، فهما متفقان عليه من حيث المعنى والحكم الذي هو الوجوب.

ثم ختم الدكتور مصطفى هذا المبحث، بقوله:

اتضح من خلال البحث أن المفسرين الأندلسيين كانوا على النقيض من تلك الأصول، كما أثبتوا من خلال عرضِهم لها، ومناقشتِهم وردِّهم اتجاهَهم السليمَ البعيدَ عن البدع والضلالات، المتمثل في عقيدة أهل السنة، وهي عقيدة الحق والصواب. أ. هـ.

**********************************

وهذه النصوص المنقولة من تفسير (المحرر الوجيز) للإمام ابن عطية، لا تترك مجالاً للشك، في أنه لا يعتقد عقيدة المعتزلة، ولا يدين بها، فبغير الاعتقاد بهذه الأصول الخمسة لا يكون الإنسان معتزلياً، وهو قد ردَّها جميعها، فكيف يقال: إن في تفسيره اعتزاليات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير