تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رابعاً: ثم إن المتأمل في مقدمة الإعلام يحس بأن الكاتب كان من أعلام علماء قرطبة، وليس من غمار طلبة العلم العاديين، فهو يرى أن جواب النصراني قد تعيَّنَ عليه (14)، بل يحكي أن جماعة من إخوانه رغبوا إليه أن يرد على ذلك النصراني (15)، مما يفيد أنه كان على قدر من العلم كبير.

خامساً: وإذا قلبنا صفحات الكتاب انكشف لنا أن صاحبه رجل غزير العلم، واسع الثقافة، كثير الاطلاع، فهو عالم بأصول الدين ودقائق العقيدة، ذو معرفة باللغة والحديث والتفسير والسيرة ولديه حظ وافر من الشعر والحكم والأمثال.

سادساً: ثم إننا إذا كررنا النظر في الكتاب استبان لنا أننا أمام كاتب عارف بطرق المجادلة، متمرس على فنون المحاججة، قد اطلع على كثير من أسفار النصارى وكتاباتهم (16)، وتتبع بعض ما كتبه العلماء المسلمون من ردود عليهم (17) بل إنه وعد بإفراد كتاب للرد على أحد مشاهير علماء النصارى السابقين عندما تعرض لبعض أقواله (18). وهذه الأشياء كلها تنبئ إن مؤلف الإعلام شخص متخصص في الدراسات المتصلة بالنصرانية قد صرف وقتاً من عمره للإحاطة بها.

وبناء على هذه المعطيات التي تجمعت لنا حول كتاب الإعلام ننظر الآن إلى أي حد تتوافق وأحوال القرطبي المفسر محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الذي ينسب إليه الكتاب. فنقول كان القرطبي المفسر حتى سنة 628هـ/1231 م لا يزال يقرأ العلم على مشايخ قرطبة (19)، بل إنه في السنة التي سبقتها قد تردد في مسألة علمية بين ثلاثة من علماء قرطبة ليستفتيهم في شأنها (20) الأمر الذي يفيد أن القرطبي المفسر حتى ذلك الحين لا يعدو أن يكون طالب علم في قرطبة لا يتميز عن غيره من الطلاب. وإذا تذكرنا أن كتاب الإعلام قد ثبت تأليفه قبل عام 633هـ 1236م وربما قبل ذلك بسنوات ليست قليلة – كما رجحناه- وأن مؤلفه – حسبما استنتجنا – كان من علماء قرطبة البارزين، وأنه متخصص في الدراسات المتعلقة بالنصرانية – إذا تذكرنا هذه الأشياء جميعها وقارناها بوضع القرطبي المفسر في المدة الزمنية عينها ألفيناها بعيدة الاتفاق، وأنه من غير المعقول أن يكون القرطبي هذا هو مؤلف الإعلام، فهو لم يكن حينذاك من علماء قرطبة المعدودين،ولم يبدُ عليه أي اهتمام بالدراسات النصرانية وما يرتبط بها، وإذا ملنا إلى تأليف كتاب الإعلام في أوائل القرن السابع الهجري كان القرطبي المفسر – فيما يبدو – صبياً وقتها ليس في مقدوره تصنيف الكتاب ناهيك عن تصنيف كتاب مثل كتاب الإعلام.

وأمر آخر يضعف أن يكون كتاب الإعلام للقرطبي المفسر، وهو أن نسبة هذا الكتاب إليه تبناها بعض المهتمين بكتب التراث من المتأخرين (21) فما تحت أيدينا من مصادر قديمة سواء كانت مغربية أو مشرقية ترجمت للقرطبي المفسر لا تذكر كتاب الإعلام في عداد مؤلفاته، مع أنه من المفترض – لو كان قد ألفه – أن يأتي ذكره في رأس قائمة المصنفات التي كتبها بصفته أحد مؤلفاته الأولي؛ وبخاصة عند المغاربة والأندلسيين،إذ يلزم أن يكون القرطبي قد كتب كتاب الإعلام قبل مغادرته الأندلس،ولو كان ذلك كذلك لما فات على هؤلاء المؤرخين المغاربة والأندلسيين معرفتهم بتأليفه له– وهم الذين حرصوا على تتبع أخباره لما استوطن مصر بعد تركه الأندلس (22).

ومما يضعف نسبة الإعلام إلى القرطبي المفسر – أيضاً – أن الذين كتبوا عنه من المعاصرين، وعنوا بحصر مؤلفاته، وتعقبوا أماكن وجودها، لم يعثروا على إشارة لهذا الكتاب في تضاعيف مؤلفاته المعروفة رغم أن كتبه ترددت أسماء بعضها في بعض، لأن منهجه في التأليف الابتعاد عن تكرار المعلومات أكثر من مرة (23)، فكثيراً ما يكتفي – إذا عرضت له مسألة من المسائل – بالإحالة من كتاب إلى آخر من كتبه، فيذكر هذا الكتاب أو ذاك بعنوانه المعروف (24). ولا شك أن كثيراً من المسائل المتصلة بالنصارى وعقائدهم قد تطرق إليها، وبخاصة في كتابه التفسير، فلو كان الإعلام من مؤلفاته ليس هذا فحسب، بل ومن أوائلها لأحال إليه وردد اسمه سواء في التفسير أو غيره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير