تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سياق النص يأتي كجزء ووحدة من جملة السورة، يكون موضوعه واحداً وغرضه واحداً لكنه يتناسق ويتناسب مع وحدة السورة العام. ويظهر النص غالباً في سياق القصص، وبعض التشريعات، والموضوعات. كقصة آدم، وآيات بني إسرائيل، وآيات القبلة، وآيات الحج في سورة البقرة.

ولو تدبرت كل سورة لوجدتها تتجزأ إلى عدة مقاطع كل مقطع يتضمن غرضاً مستقلاً. وقد تجلى ذلك في دراستي لسورة البقرة.

فمن أمثلة ذلك آيات النفقة والربا والمداينات في سورة البقرة كل موضوع جاء لغرض، وقد اجتمعت كلها في غرض واحد وسياق واحد هو حفظ الأموال وبناء النظام الاقتصادي للأمة.

قال ابن عاشور: "نظم القرآن أهم أصول حفظ مال الأمة في سلك هاته الآيات، فابتدأ بأعظم تلك الأصول، وهو تأسيس مال للأمة به قوام أمرها .. " ([15]).

وقال صاحب الظلال: "منذ الآن إلى قرب نهاية السورة يتعرض السياق لإقامة قواعد النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي يريد أن يقوم عليها المجتمع المسلم، وأن تنظم بها حياة الجماعة المسلمة" ([16]).

رابعاَ: سياق الآية.

كل آية في كتاب الله تعالى تحمل غرضاً مستقلاً، وإلا فما سر هذه الفواصل بين الآيات، وقد تجلى ذلك في دراستي لسورة البقرة، فرأيت أن كل آية لها غرض قد تشترك فيه مع سابقتها أو لا حقتها لكنها تختص بجانب منه.

وقد تناول المفسرون هذا النوع كثيراً في بيانهم لتفسير كلام الله والترجيح بين المعاني فيه، ومن على الأمثلة في ذلك:

ماذكره بعض المفسرين في المراد بالإحصان في قوله تعالى: +فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ" [النساء 25].

فقد رجح ابن كثير والشنقيطي أن المراد بالإحصان في الآية التزويج لدلالة السياق.

قال ابن كثير: "والأظهر - والله أعلم - أن المراد بالإحصان ها هنا التزوج؛ لأن سياق الآية يدل عليه، حيث يقول الله تعالى +وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ" [النساء25] والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات، فتعين أن المراد بقوله تعالى: +فَإِذَا أُحْصِنَّ" أي تزوجن كما فسره ابن عباس ومن تبعه" ([17]).

وقال الشنقيطي: "قوله تعالى: +فَإِذَا أُحْصِنَّ" أي: فإذا تزوجن، وقول من قال من العلماء: إن المراد بالإحصان في قوله تعالى: +فَإِذَا أُحْصِنَّ" الإسلام خلاف الظاهر من سياق الآية؛ لأن سياق الآية في الفتيات المؤمنات حيث قال +وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً" الآية" ([18]).

ومن الأمثلة في تعيين غرض الآية:

1 - قوله تعالى: +مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" [البقرة 261]

غرض هذه الآية هو بيان شرف النفقة ومضاعفة أجرها، تحريضاً على الإنفاق في سبيل الله تعالى.

قال ابن عطية: "هذه الآية لفظها بيان مثل بشرف النفقة في سبيل الله وبحسنها، وضمنها التحريض على ذلك" ([19]).

هذه هي أنواع السياق القرآني، وهي بمجموعها تنبئك عن عظمة القرآن في ترابطه وبنائه وإحكامه، وتطلعك على منهج عظيم لدراسة القرآن العظيم وتفسيره، وقد سلكت هذا المنهج- بحمد الله وتوفيقه - في دراستي لسورة البقرة كلها. فلله الحمد أولاً و آخراً.


([1]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/ 255) رقم (20473)، وانظر: ((البرهان في علوم القرآن)) (1/ 193).

([2]) ((دلالة السياق منهج مأمول لتفسير القرآن الكريم)) (ص88).

([3]) انظر: ((التحرير والتنوير)) (1/ 8).

([4]) ((مجموع الفتاوى)) (7/ 35).

([5]) ((أضواء البيان)) (3/ 376).

([6]) ((أضواء البيان)) (3/ 376).

([7]) ((نظم الدرر)) (1/ 17).

([8]) ((مجموع الفتاوى)) (14/ 41).

([9]) ((مجموع الفتاوى)) (28/ 433).

([10]) ((الأمثال في القرآن)) (ص57).

([11]) ((النبأ العظيم)) (ص154 - 155).

([12]) ((في ظلال القرآن)) (1/ 27).

([13]) انظر: ((التيسير)) (ص187)، ((السبعة)) (594).

([14]) ((جامع البيان)) (10/ 523).

([15]) ((التحرير والتنوير)) (3/ 78) باختصار.

([16]) ((في ظلال القرآن)) (1/ 304).

([17]) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 631).

([18]) ((أضواء البيان)) (1/ 280).

([19]) ((المحرر الوجيز)) (1/ 355).

ـ[النجدية]ــــــــ[21 Sep 2008, 04:19 م]ـ
بسم الله ...
أيجوز لنا اعتبار النوع الثالث: (سياق القصة) مستقلا عن سياق المقطع؟
فلكل قصة سياق؛ فمثلا: سياق قصة سيدنا آدم عليه السلام، معروضة في عدة سور كريمة، وكل لقطة من القصة عرضت في سياقها الأخص الأليق بها من السورة ... وهكذا.
بينما سياق المقطع مختلف عن هذا!
فسؤالي:
هل يجوز جعل هذه الأنواع خمسة؟
أم ليس لنا ذلك؛ خوفا من تكثير عدد أنواع السياق؟؟؟؟
والله الموفق ...
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير