تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

معاني الإنسانيّة لديه وارتكاسه إلى أسفل سافلين. هذا هو الإطار التربوي في عصر ابن خلدون وما أدّت إليه مؤسساته السياسيّة والتعليميّة من تخريب لإنسانية الإنسان وتعطيل قدراته وطاقاته.

أما مفهوم الاستخلاف عند ابن خلدون الذي يمثل فلسفته التربوية أي رؤيته لنوعية الإنسان المراد إنتاجه، فقد تناوله الفصل الرابع في نقاط ثلاث:

أولا: ما هية الإنسان الخليفة، وقد بيّن أنّ الإنسان هو جزء من الطبيعة منها نشأ وإليها يعود، وأنّه في حقيقته حيوان من جملة الحيوانات ونوع من أنواعها، يشاركها في الحس والحركة والحاجة إلى الغذاء والكنّ والجنس والراحة وغيرها من شروط البقاء. ومع أنّه من أقلّها قدرة على تلبية حاجاته منفردا فإنّ الله قد استخلفه عليها وميّزه عنها بخصائص. وهذه الخصائص نوعان:

أحدهما ما يتعلّق بالنفس البشريّة، ومن أهمّها خاصيّة الضعف والتي تعدّ دافع الإنسان للتعاون وطلب الكمال. وخاصيّة الفطرة أي حيادتها واستعدادها للتشكل حسب ما يرد عليها من الواردات مما يفتح باب التربية على مصراعيه. وخاصيّة التفكير وهي القدرة على إدراك الكليّات وهي مجرّدة من المحسوسات وإيقاع أفعاله وفق نظام الأسباب والمسبّبات، وعلى قدر تربيتها وإخراجها من القوّة إلى الفعل يكون تحقّق إنسانيّة الإنسان. وخاصيّة القياس والمحاكاة وهي القدرة على تصنيف الحوادث والتنبؤ بمآلاتها ونقل تجاربها. وخاصيّة المرونة وهي قابلية النفس البشريّة للتربية والتعوّد والانتقال من حال إلى آخر وفق مبدأي المسؤوليّة والاختيار.

ثانيهما ما يتعلّق بالنفس الإنسانيّة، وهي خاصيّة الملك التي تمثّل أعلى مراتب الإنسانيّة فهي الحافظة على الإنسان اجتماعه الذي به حفظ حياته وتحقيق حاجاته والشعور بأمانه وإشباع لقيمتي النظام والعدل اللتين بهما كماله، وخاصيّة السيادة الشخصيّة التي تعبّر عن حريّة الإرادة والاختيار في الفعل والمسؤوليّة عنه بما يؤكّد حقّا أنّه خليفة الله في أرضه، وخاصيّة الرمز وهي القدرة على تحويل أفكاره وأحاسيسه وتجاربه ومشاهداته إلى لغة يمكن تبادلها ونقلها وتعليمها للآخرين.

ثانيا: علاقة الإنسان الخليفة بالطبيعة، وتناول فيه علاقة التأثّر والتأثير بين الطبيعة والإنسان. فأمّا علاقة تأثّر الإنسان بالطبيعة فهي نوعان: ما لا يمكن للإنسان تغييره غير أنّه لا يؤثّر في مهمّته الاستخلافيّة كلون بشرته. وما يؤثّر في مهمّة الإنسان الاستخلافيّة مثل أثر المناخ والأغذية في أخلاق النّاس وطبائعهم وأبدانهم وأفكارهم غير أنّ هذا ممّا يمكن للإنسان تعديله والتحكّم في نتائجه. وأمّا علاقة تأثير الإنسان في الطبيعة فتقوم على ثلاث ركائز وهي: الأمانة وتعني استئمان الإنسان على هذه الطبيعة والحفاظ عليها وعدم التفريط فيها، والتسخير ويعني حق الإنسان في الاستفادة من هذه الطبيعة واستخدامها في أداء مهمّته وفق مبدأي الرفق والارتفاق، والإعمار ويعني وجوب تطوير وتنمية موارد هذه الطبيعة.

ثالثا: الإنسان الخليفة والمجتمع، تسعى التربية من منظور استخلافي إلى إنتاج إنسان يتمتّع على المستوى الشخصي ببعدين اثنين، البعد المعاشي، والبعد الأخلاقي. أمّا على المستوى الجماعي فإنّه لكي تتم له المعاونة مع الآخرين، لا بدّ له من التحلّي كذلك ببعدين آخرين وهما المفاوضة ثم المشاركة، فهذا هو الإنسان الخليفة النموذج الذي بشّر به ابن خلدون وهو الفرد الصالح في أخلاقه ومعاشه علما وعملا.

أما أثر مفهوم الاستخلاف في نظرية المعرفة عند ابن خلدون، فقد تناوله الفصل الخامس، وقد تبيّن -تماشيا مع نظرته الاستخلافية- قوله بإمكانية معرفة حقيقيّة عن عوالم حقيقية خارج أذهاننا، عالم الحسّ وعالم النفس وعالم الأرواح وهولم يجعل حدّا لما يمكن للإنسان الخليفة معرفته بل الوجود كلّه شاهده وغيبيّه ممكن معرفته والتعامل معه إذ إنّ حصول النفس على كمالها مرهون عنده بحصول هذه المعرفة لأنّها هي التي تقوده لمعرفة صفات موجده وآثاره فيها. وتنقسم المعارف من وجهة نظره الاستخلافية إلى معرفة حسّيّة ومعرفة غيبيّة. فأمّا المعرفة الحسيّة عنده فهي معرفة أساسيّة وضروريّة لا يتمّ وجود الإنسان الخليفة إلاّ بها. أما حصولها فيكون عبر آليات منها: الحسّ الظاهر، ويعني به الحواس الخمس، والحسّ المشترك، وهو قوّة تدرك المحسوسات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير