تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مُبصَرَة ومسموعة وملموسة وغيرها في حالة واحدة. والخيال، وهو قوّة تمثّل الشيء المحسوس في النفس كما هو مجرّد عن الموادّ الخارجة فقط، والواهمة، وهي قوّة لإدراك المعاني الجزئيّة، والحافظة، وهي قوّة مهمّتها حفظ المدركات. والفكر، وهو القوة التي تقع بها حركة الرؤية والتوجه نحو التعقّل نتيجة لوجدان حركة للنفس في البطن الأوسط من الدّماغ وهو ثلاث درجات: العقل التمييزي والعقل التجريبي والعقل النظري.

أمّا الإنتاج للمعرفة فيكون من الاستقراء أولا، ثمّ التركيب ثانيا ثمّ الاستناط والتعميم والتنبؤ آخرا. وأمّا المعرفة الغيبيّة فهي لا تكون إلاّ بالغيبة عن الحس وهي ثلاثة أقسام: أولا، ما يحصل بالفطرة وهي إما يكون الانسلاخ فيها كاملا من غير اكتساب ولا استعانة ولا تكون إلاّ للنبيّ. وإمّا أن يكون الانسلاخ فيها ناقصا وهذا يحصل للكهّان ومن على شاكلتهم. وثانيا، ما يحصل بالنوم، وهو إمّا أن يكون في أول النوم عند مفارقة اليقظة، وهو خاصّ ببعض الناس ولا يقع لهم إلاّ في مبادىء النوم عند مفارقة اليقظة وذهاب الاختيار في الكلام؛ فيتكلّم الواحد منهم وكأنّه مجبور على النطق؛ وغايته أن يسمعه ويفهمه. وإما يكون بالرؤيا عند النوم، حيث تطالع النفس الناطقة في ذاتها الروحانيّة لمحة من صور الواقعات. وثالثا، الموت وهو أحد الطرق المؤديّة إلى المعارف الغيبيّة، وهو إمّا أن يكون حقيقيّا كموتى الحوادث والإعدامات فإذا اتفق وسئلوا بعد موتهم مباشرة عن بعض الأمور الغيبيّة أو المستقبليّة فإنّهم يجيبون أحيانا عن بعض ذلك. وإمّا أن يكون موتا صناعيا، وهو نوع من تعطيل القوى الحسيّة وإخمادها ببعض الطرق كالجعل، والرياضة السحرية، والرياضة الصوفيّة. غير أنّه على الرغم من اعترافه نظريا بوجود كلّ هذه المعارف فإنّه لا يعتدّ منها عمليّا وفق نظرته الاستخلافيّة إلاّ بما يعين الإنسان في دينه ودنياه، فالمعارف كلّها غيبيّها وحسّيّها خاضعة لهذه القاعدة "لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا، أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا." بهذا التصوّر لما يهمّ المستخلف من المعارف نصل إلى الفصل الذي يبيّن رأيه في المنهجيّة التي يمكن اعتمادها في تعلّم هذه المعارف.

أما الفصل السادس فقد تناول مفهوم الاستخلاف وأثره في مناهج التعليم عند ابن خلدون، وقد تبيّن أنّ الأهداف التربويّة لمنهاج التعليم عنده هي أهداف تتناول الإنسان بأبعاده الثلاثة وهي الأبعاد الروحية وتتضمّن الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والإيمان بالنبيّ محمّد صلى الله عليه وسلّم الذي يعدّ طريقنا الوحيد لما يريده منّا مُستَخلِفنا (الله سبحانه) من التعاليم والضوابط الوضعيّة التي فيها سعادتنا، والإيمان بأنّ وجودنا في هذه الدّنيا هو وجود عبوري زائل إلى وجود حقيقي دائم، فعلينا أن نتزوّد من عاجلنا لآجلنا. والأبعاد الخلقيّة وتشمل غرس المسؤوليّة الأخلاقيّة في المتعلّم وجعلها جزءا من مكوّناته الشخصيّة، بحيث يشعر لكونه خليفة الله في أرضه، أنّه مسؤول خلقيا مسؤولية مباشرة أمام مستَخلِفِه (الله سبحانه). وغرس مفهوم الأمانة الشمولي في المتعلّم، بحيث يعي بأنّه –أخلاقيا- مستأمن على ما استخلف عليه بالرعاية والحفظ والإعمار والتنمية وفقا لتعاليم وضوابط الاستخلاف، وغرس مفهوم العدل في المتعلّم، بحيث يعي كمستخلَف أنّ العدل هو أساس الفضائل وينبوعها الذي بدونه يختلّ الوجود ويخرب العمران. والأبعاد المعاشيّة وتشتمل على ترسيخ مبدأ التعاون لدى المتعلّم على أساس أنّه شرط لا يمكن للفرد العيش بدونه، وهو الطريق الوحيد لإشباع حاجاته وحفظ حياته وتحقيق إنسانيته وبلوغ كماله. وترسيخ مبدأ النظام بمفهومه الشمولي، بحيث يصبح مفهوم النظام جزءا من شخصية المتعلّم وركنا أساسا في تركيبته النفسيّة والفكريّة والعمليّة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير