تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمّا العلوم التي ينبغي أن تحتويها مناهج التعليم فقد صنّفها إلى تقسيمين؛ عموديٍّ وأفقيٍّ. فأمّا في التقسيم الأوّل فقد نظر إليها من حيث مصدرها وهي عقليّة مصدرها العقل في تفاعله مع الواقع، ووضعيّة مصدرها النقل عن الواضع الشرعيّ ولا مجال فيها للعقل إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول. وقد بيّن أنّ تقديمه العقليّ على النقلي له دلالاته التي منها أنّ في تقديم العقلي على النقليّ إشارة إلى تقدّمه زمانيّا إذ إنّ تعلّم الإنسان طرائق العيش والتعامل مع محيطه سابق في الزمان على تعلّمه الشرائع والقوانين. وأن في تقديم العقلي على النقلي إشارة إلى ضرورة الأول دون الثاني للوجود الإنساني، لأنّه لا يمكن تصوّر وجود مجتمع إنساني بدون وجود الأوّل ولكن يمكن تصوّره بدون الثاني. وأمّا في التقسيم الثاني؛ فقد نظر إليها من حيث وظيفتها وهي علوم مقصودة بالذات، كالتفسير والحديث والفقه من الشّرعيات، وكالطبيعيّات والإلهيات من الفلسفة. وعلوم آلة وهي وسيلة لغيرها، كالعربيّة والحساب والمنطق.

ثمّ تطرّقنا بعد ذلك إلى الطرق التي يمكن اتباعها في صياغة المناهج التعليميّة وما تحتويه من مواد يُراعَى فيها سنّ المتعلّمين وقدراتهم واستعداداتهم النفسيّة والعقليّة وذلك بالاعتماد على مبدأي التدرّج والتطوّر الهرمي. ثمّ تطرّقنا بعدها إلى شروطه في التعليم وإفادته وهي متنوّعة فمنها ما يتعلّق بالمتعلّم وهي ثلاثة: الإرادة والرحلة ولزوم المعلّم، ومنها ما يرجع إلى المعلّم، وهي القدوة الحسنة والحذق في العلم. ومنها ما يتعلّق بطرق التدريس وتشمل طرقا عقليّة، وهي تلك الوسائل والأساليب التعليميّة التي تراعي في إيصال المعلومات وتبليغها مبادىء العقل ومراحل تطوّره، وطرقا نفسيّة، وهي تلك الوسائل والأساليب التعليميّة التي تراعي في إيصال المعلومات وتبليغها مبادىء النفس ومراحل تطوّرها ومن أهمّها القياس والمحاكاة والتكرار وحمل المتعلّمين وتحفيزهم على طلب العلم قدر الاستطاعة.

نتائج البحث:

لقد استطاع الباحث في هذه الدراسة أن يصل إلى النتائج الآتية:

1 - إنّ هناك تشابها كبيرا يصل إلى حدّ التطابق بين أعراض أزمة المسلمين في عصر ابن خلدون وبين أعراض أزمتنا الراهنة. فالأزمتان تشتركان في مرض واحد وهو فساد إنسانية الإنسان وضياع قيمته بما ناله من أذى الحبس والقتل والتشريد والعسف والقهر والإذلال. فهذا المناخ التربوي الموبوء قد أدّى في كلتا الحالين إلى سلسلة من النتائج المترتّب بعضها على بعض؛ ففساد إنسانيّة الإنسان أدّى إلى انتشار العجز والكسل والبطالة والتواكل والغش والكذب والنفاق الاجتماعي، وقد أدّت هذه الأعراض إلى تفكّك المجتمع واختلال العمران وانتشار الفقر والبطالة والصراعات الداخليّة، وقد أدّى هذا بدوره إلى فتح الباب على مصراعيه للقوى الخارجيّة للاستهتار بنا قديما وحديثا والتدخّل في شؤوننا واستغلالنا وإذلالنا فالأندلس مثال للماضي، وفلسطين والعراق وأفغانستان أمثلة للحاضر. فطبيعة الأزمة تتلخّص في سوء التربية، وجذورها تعود إلى فساد المؤسسة السياسيّة.

2 - بما أنّ الأزمة في عمقها هي أزمة تربية فإنّ حلّها يتوقف أوّلا وقبل كلّ شيء على صلاحية وشموليّة التصوّر التربوي لنوعية الإنسان المراد إنتاجه، وإنّ أنسب التصوّرات وأفضلها وأشملها لأبعاد الإنسان الماديّة والرّوحية والخلقيّة هو مفهوم الاستخلاف الإسلامي.

3 - إنّ الفهم الاستخلافي لطبيعة المعرفة ومصادرها وأنواعها وتحديد ما يهمّ المستخلَف منها، وما ترتّب عنه من تصنيفٍ للعلوم وتحديدٍ للعلاقة بينها قد حلّ لنا إشكالية من أعوص الإشكاليات التي شغلت المسلمين قديما وحديثا وهي مسألة علاقة الشرعي الوضعي بالطبيعي العقلي حيث بيّن أنّ لكلّ واحد منهما مصدره الخاص به ومجاله الذي لا يتعدّاه وأنهما متكاملان في الوظيفة لا متعارضان.

4 - إنّ الفهم الاستخلافي لطبيعة التعليم ووظيفته وأهدافه التربويّة وطرق بناء مناهجه وطرق توصيلها وتقييمها وغيرها من المسائل التي وردت في ثنايا البحث تعدّ -معظمها إن لم نقل كلّها- أمورا رائدة في مجالها وسابقة لزمانها ودالّة على عبقريّة صاحبها.

توصيات البحث:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير