تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد قرر هذه القاعدة ابن جرير واعتمد عليها في تفسيره، فقال في تقريرها: "فغير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره، إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنزيل، أو خبر عن الرسول × تقوم به حجة، فأما الدعاوى، فلا تتعذر على أحد" ([7]).

خامساً: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ([8]) ..

هذه القاعدة الأصولية تعتبر قاعدة في السياق من جهة أنه لا عبرة بخصوص السياق الذي نزلت فيه الآية، وإنما العبرة بسياقها العام وهو ما دل عليه غرضها وحكمها العام، ولهذا جاءت ألفاظ القرآن عامة.

قال شيخ الإسلام: "والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب، هل يختص بسببه أم لا؟ فلم يقل أحد من علماء المسلمين إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنما تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه" ([9]).

فإذا كانت الآية نازلة في سبب معين فإن هذا يبين المعنى المراد لكنه لا يعني بحال قصر الحكم في الآية على خصوص سببها.

فخصوص السبب عمدة في فهم المعنى، وعموم اللفظ عمدة في حكم الآية، إلا أن ما نزلت الآية بخصوصه قطعية الدخول في معنى الآية إذ هي الأصل فيها، لكن الآية تشمل غيره من جهة القياس على وصفه.

قال السرخسي: "وقال بعضهم: النص يكون مختصاً بالسبب الذي كان السياق له، فلا يثبت به ماهو موجب الظاهر، وليس كذلك عندنا، فإن العبرة لعموم الخطاب لا لخصوص السبب، فيكون النص ظاهراً لصيغة الخطاب، نصاً باعتبار القرينة التي كان السياق لأجلها" ([10]).

وقال السيوطي: "إن صورة السبب قطعية الدخول في العام، وقد تتنزل الآيات على الأسباب الخاصة، وتوضع مع ما يناسبها من الآي العامة رعاية لنظم القرآن وحسن السياق" ([11]).

وضرب لذلك مثلاً بقوله تعالى: +وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى" [الليل 17 - 18] فإنها نازلة في أبي بكر الصديق بالإجماع ([12])، ومع كونها فيه ثناء عليه إلا أن الصيغة العامة التي وردت فيها تفيد أن هذا الحكم ليس مقصوراً عليه.

ولهذا فإنه كثيراً ما تكون الآيات نازلة بحال معين أو حدث خاص أو شخص مقصود، إلا أنها تأتي بصيغة العموم فتعم غيره من جهة الوصف؛ لأن القرآن عام في حكمه، إلا أنه يجب اعتبار ما نزلت فيه الآية في بيان المعنى ابتداءً؛ لأنه المحدد للوصف وللغرض من الآية.

قال السعدي: "قاعدة: وتدبر هذه النكتة التي يكثر مرورها بكتاب الله تعالى؛ إذا كان السياق في قصة معينة، أو على شيء معين، وأراد الله أن يحكم على ذلك المعين بحكم لا يختص به، ذكر الحكم وعلقه على الوصف العام، ليكون أعم، وتندرج فيه الصورة التي سيق الكلام لأجلها، ليندفع الإيهام باختصاص الحكم بذلك المعين" ([13]).

وقد بقيت القواعد الخاصة بالسياق، سأفردها في المشاركة القادمة بإذن الله


([1]) ((البحر المحيط في أصول الفقه)) (6/ 52).ط وزارة الشؤون الإسلامية بالكويت، تحرير د. عبدالستار أبو غدة.

([2]) ((البرهان في علوم القرآن)) (1/ 36).

([3]) ((الإتقان في علوم القرآن)) (1/ 185).

([4]) ((بدائع الفوائد)) (4/ 9).

([5]) ((أثر السياق في النظام النحوي)) (ص94).

([6]) ((إحكام الأحكام)) (2/ 130).

([7]) ((جامع البيان)) (4/ 356).

([8]) انظر: ((القواعد والفوائد الأصولية)) (ص241)، ((مجموع الفتاوى)) (31/ 44).

([9]) ((مجموع الفتاوى)) (13/ 338).

([10]) ((أصول السرخسي)) (1/ 164).

([11]) ((الاتقان)) (1/ 65).

([12]) انظر: ((أسباب النزول للواحدي)) (ص721).

([13]) ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/ 682).

ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[28 Feb 2007, 09:40 ص]ـ
القسم الثاني: القواعد المتعلقة بترجيح السياق.
أولاً: أن القول المعتبر في التفسير هو الموافق للسياق.
تقرر أن السياق القرآني أصل معتبر في كلام الله تعالى، وأنه هو الدال على المعنى الصحيح، وعليه فإن القول الذي يتوافق مع السياق هو القول المعتبر والراجح.

وهذه القاعدة من أهم قواعد الترجيح في التفسير.

وقد اعتبر السلف والعلماء هذه القاعدة في تفسيرهم، ومن ذلك:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير