ما قاله صاحب رسالة دلالة السياق عند ابن جرير في تقرير القواعد المعتبرة عند ابن جرير: "يختار من المعاني ما اتسق وانتظم معه الكلام" ([1])، وأورد لذلك أمثلة من تفسير ابن جرير ([2]).
وقد قرر هذه القاعدة شيخ الإسلام أتم تقرير في معرض رده على نفاة الصفات الذين يؤولون الصفات استدلالاً بنصوص أخرى دل سياقها على معنى آخر، كتأويل إتيانه تعالى بإتيان عذابه استدلالاً بقوله تعالى: +فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا" [الحشر 2] فقال: "لما رأوا بعض النصوص تدل على الصفة، جعلوا كل آية فيها ما يتوهمون أن يضاف إلى الله تعالى - إضافة صفة - من آيات الصفات كقوله تعالى: +فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ" [الزمر 56] وهذا يقع فيه طوائف من المثبة والنفاة، وهذا من أكبر الغلط، فإن الدلالة في كل موضع بحسب سياقه، وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية" ([3]).
وقد قرر صاحب قواعد الترجيح عند المفسرين هذه القاعدة بقوله: "قاعدة: القول الذي تؤيده قرائن في السياق مرجح على ما خالفه". وأورد الأمثلة والأقوال الدالة عليها ([4]).
ثانياً: بجب حمل كلام الله على المعاني والأوجه اللائقة بالسياق والموافقة لأسلوب القرآن.
هذه القاعدة تعني أنه يجب حمل كلام الله تعالى على المعاني والأوجه اللغوية والإعرابية والبلاغية اللائقة بسياق الآية والموافقة لأسلوب القرآن، دون الأوجه القاصرة عنه، وليس كل ما ثبت في اللغة صح حمل آيات التنزيل عليه ([5])، إذ القرآن هو أعظم الكلام، فلا بد من حمله على أكمل الوجوه وأعظمها، ولا يجوز حمله على المعاني القاصرة بمجرد الاحتمال النحوي والإعرابي ([6]).
قال العز بن عبد السلام: "وعلى الجملة فالقاعدة في ذلك أن يحمل القرآن على أصح المعاني، وأفصح الأقوال، فلا يحمل على معنى ضعيف، ولا على لفظ ركيك" ([7]).
ثالثاً: كل تفسير خارج عن دلالات الألفاظ والسياق باطل مردود.
هذه القاعدة نتيجة للقاعدة التي قبلها، فإذا ورد تفسير خرج بمعاني كتاب الله تعالى عما تدل عليه ألفاظه وسياقه ولم يدلّ اللفظ على هذا المعنى بأي نوع من الدلالة: مطابقة، أو تضمناً أو التزاماً، أو مفهوماً، أو موافقاً، أو مفهوماً مخالفاً، فهو مردود ([8]).
وهذه القاعدة متقررة عن سلف الأمة وعلمائها.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن هذا القرآن كلام الله عز وجل فضعوه على مواضعه، ولا تتبعوا فيه أهواءكم) ([9]).
قال السيوطي بعد ما أورد تفسير ابن عباس: "ففيه الرد على من تعاطى تفسير القرآن بما لا يدل عليه جوهر اللفظ، كما يفعله الباطنية، والاتحادية، والملاحدة، وغلاة المتصوفة" ([10]).
وقال شيخ الإسلام في كلام فصل في هذه القاعدة: "وأما النوع الثاني من سببي الاختلاف وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل، فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ... والقائلون بالجهتين المتقدم ذكرهما قسمان:
أحدهما: قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها
والثاني: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به.
فالأولون: راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان، والآخرون راعوا مجرد اللفظ وما يجوز عندهم أن يريد به العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به وسياق الكلام، ثم هؤلاء كثيراً ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة كما يغلط في ذلك الذين قبلهم، كما أن الأولين كثيراً ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن كما يغلط بذلك الآخرون، وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق.
¥