تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والملاحظ أن في فعل أبي أمامة أمرين:

الأول: أنه انتزع جزءًا من الآية.

الثاني: أنه حمل هذا الجزء الذي في سياق اليهود على الخوارج.

ولو أردت أن تسبك المعنى على تفسير أبي أمامة؛ لظهر لك اختلال النظم مع المعنى، فالمعنى ـ لو كان كلام أبي أمامة تفسيرًا ـ: وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وأنتم تعلمون أني مرسل إليكم من الله، فلما زاغ الخوارج أزاغ الله قلوبهم ...

ولا يخفى عليك هذا الخلل؛ لو كان أبو أمامة يقصد التفسير (بيان المعنى الظاهر من السياق)، لكنه ـ رضي الله عنه ـ أراد أن ينبهك إلى أن الخوارج شابهوا اليهود في هذه الحيثية، وهي أنهم قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، وليس مراده أن الْمَعْنيَّ الأول بهذه الجملة هم الخوارج، وعلى هذا لا يحسن أن تَعُدَّ كلام أبي أمامة من التفسير، بل هو من باب القياس الذي يأتي بعد بيان المعنى الظاهر في السياق.

المثل الثاني: في قوله تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)، فقد ورد عن الإمام الشافعي وغيره: (لما حجب هؤلاء في حال السخط، دلَّ على أن قومًا يرونه حال الرضى)، وهذه الآية في عِداد الآيات التي يستدل بها أهل السنة على رؤوية الباري في الجنة، لا حرمني الله وإياكم هذا الفضل العظيم.

وإذا تأملت سياق الآيات وجدته في الكفار حيث قال تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)، وظاهر معنى الآية في سياقها أن الكفار ممنوعون من رؤية ربهم، وهذا تمام المعنى، فلو فسَّر مفسِّر هذه الآية بهذا القدر لما قصَّر في التفسير، أما ما ورد من بيان (مفهوم المخالفة)، وهو الاستدلال بمنع قوم على الكشف لقوم، فهذا من باب الاستنباط، وليس من باب التفسير.

ودليل ذلك ما أشرت لك به من أن مفسرًا لو لم ينتبه إلى هذا المعنى الدقيق لما كان مقصِّرًا في بيان المعنى من جهة التفسير.

وقد يرد سؤال عند بعض الناس، ومفاده: ألا يصح أن نقول: لما أخبر أن الكفار يصلون الجحيم دلَّ على أن المؤمنين يدخلون الجنة؟

فالجواب: بلى، لكن هذا المعنى لم يخالف فيه أحد فيلزم التنبيه على دقائق الاستدلال لِمَا وقع فيه الخلاف؛ مثل مسألة الرؤية التي خالف فيها المعتزلة ومن أخذ بقولهم، والفرق بين الاستدلالين ظاهر.

أنواع الإشارات:

مما يحسن التنبه له أنه ليس كل ما نُسِب إلى التفسير الإشاري فأنه باطل محض، بل الإشارات والاعتبارات مثل القياس في الفقه، منه ما هو صحيح، ومنه ما هو خطأ، ومنه ما هو باطل، وقد أشار إلى ذلك عدد من العلماء؛ منهم ابن تيمية ففي معرض رده على بعض التفسيرات الخاطئة لاسم الله النور من قوله تعالى: (الله نور السموات والأرض)؛ قال: (الثاني: أنه ذكر عن المفسرين أنهم تأولوا ذلك بالهادي، وضعَّف ذلك، ثم ذكر في آخره أن من كلام العارفين أن النور هو الذي نوَّر قلوب الصادقين بتوحيده، وأسرار المحبين بتأييده، وأحيا قلوب العارفين بنور معرفته.

وهذا هو معنى الهادي الذي ضعفه أولاً، فيضعفه أولاً ويجعله من كلام العارفين، وهي كلمة لها صولة في القلوب، وإنما هو من كلام بعض المشايخ الذين يتكلمون بنوع من الوعظ الذي ليس فيه تحقيق، فإن الشيخ أبا عبد الرحمن ذكر في حقائق التفسير من الإشارات التي بعضها كلام حسن مستفاد، وبعضها مكذوب على قائله مفترى؛ كالمنقول عن جعفر وغيره، وبعضها من المنقول الباطل المردود.

فإن إشارات المشايخ الصوفية، التي يشيرون بها تنقسم إلى إشارة حالية، وهي إشارتهم بالقلوب وذلك هو الذي امتازوا به، وليس هذا موضعه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير