وفي السنن: (أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صاحب لنا قد أوجب, فقال: (أعتقوا عنه يعتقِ الله عنه بكل عضو عضواً من النار).
وفي الصحيحين من حديث أبي ذر: (وإن زنا وإن سرق).
الثالث: أن قوله لأهل بدر ونحوهم: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) إن حُمِل على الصغائر, أو على المغفرة مع التوبة لم يكن فرق بينهم وبين غيرهم؛ فكما لا يجوز حمل الحديث على الكفر؛ لما قد عُلِمَ أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة - لا يجوز حمله على الصغائر المُكَفَّرةِ باجتناب الكبائر).
ثم ذكر -رحمه الله- الوجهين الرابع, والخامس, وأطال فيهما.
والمقام لا يتسع لإيرادهما, وإنما المقصود هو الوقوف على رأي شيخ الإسلام في هذه المسألة.
خامساً: مسألة مهمة في تكفير الأعمال الصالحة للسيئات، ومنها الكبائر: وبعد أن تبين - من خلال ما مضى - بعض أقوال أهل العلم في هذه المسألة, وأن بعضهم -ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية- يرى أن الحسنات الماحية, والأعمال الصالحة تكفر الكبائر بدون التوبة- فإنه يحسن الوقوف على مسالة مهمة في هذا الباب تتبين من خلال التساؤل الآتي:
هل الأعمال الصالحة تقوى على التكفير الكبائر بإطلاق؟
والجواب: أن الأعمال الصالحة قد لا تقوى على الكبائر؛ ذلك أن الأعمال إنما تتفاضل بحسب إحسان العمل, وبحسب ما يقوم بالقلب من حقائق الإيمان؛ فتكفير العمل للسيئات بحسب كماله, ونقصانه.
ولا ريب أن الكبائر والذنوب عموماً تضعف القلب, وتعطل سيره إلى الله والدار الآخرة, وعلى هذا فقد تكون الأعمال الصالحة ناقصة, ضعيفة لا تقاوم الكبائر؛ ولا تقوى على تكفيرها.
ولا يرد على هذا أن بعض النصوص صرحت بأن هناك أعمالاً غفر الله لأصحابها بسبب عمل صالح, كما في حديث البغي, وحديث صاحب البطاقة؛ ذلك أن الحالات الخاصة لا تعمم ولا تكون قاعدة مطردة بكل حال؛ فليس كل امرأة بغي تسقي كلباً يغفر لها, وليس كل من قال: (لا إله إلا الله) تنفعه كما نفعت صاحب البطاقة.
[1] رواه مسلم (233).
[2] رواه البخاري (6656).
[3] إحياء علوم الدين 4/ 17.
[4] الجواب الكافي ص306.
[5] الجواب الكافي ص 309.
[6] الجواب الكافي 312.
[7] انظر إحياء علوم الدين 4/ 17 - 18، والجواب الكافي 308 - 309.
[8] السحر لا يقتصر على اللسان، بل تشترك الجوارح في عمله.
[9] وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى 11/ 650، وقال في 11/ 650: (إنه أمثل الأقوال في هذه المسألة)، وقال في 11/ 654: (وإنما قلنا: إن هذا الضابط أولى من سائر تلك الضوابط المذكورة لوجوه. . .) ثم ذكر خمسة وجوه.