حاول عاجزا عن صرفها لصراحتها ووضوح معناها، فوقف الدكتور حائرا فقال: " والنص الذي جاء به هذا التعبير، نص نعجز عن التوصل إلى مفهومه الحق، وليس لدينا في الصحيح الثابت تفسيرا له من الرسول .. فالآية تتحدث عن فئة من أهل الكتاب لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا تحرم ما حرمه الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، ونحن نعرف أن أهل الكتاب سواء كانوا من اليهود أو النصارى يؤمنون بالله ويؤمنون باليوم الآخر، كما أنهم يحرمون ما حرم الله من قتل أو زنا أ سرقة، ومن ثم فيبدو أن هناك فئة شاذة ينطبق عليها وصف القرآن، ويفترض أن تكون هذه الفئة قد نصبت نفسها لعداوة الإسلام، وأبدت استكبارا تطلب مقاتلتها ودفعها الجزية بشيء من الصغار " [6] ا. هـ
فيكون على كلام الدكتور أن هذه الآية من كتاب الله معطلة في الوجود، إلى أن تأتي تلك الفرقة الشاذة فعند إذن نعمل بالآية، ولا شك أن هذا تعطيل لكتاب الله الخالد.
وهناك قضايا كثيرة تبناها، حتى أصبح قريبا من كل غريب، ومقدمات كتبه تشهد بذلك حتى قال في إهداء كتابه الحجاب: " إلى الملايين المجهولة عبر الأجيال .. ثم قال " وجعلهن الفقهاء عورات، سجينات البيوت مكسورات الجناح، محرومات من الحرية والمعرفة والعمل، فعشن مقهورات ومتن وفي النفس غصة، اعتذار عما جناه الأسلاف " [7] ا. هـ
المبحث الرابع
الركائز التي قام عليها منهجه في التفسير
من خلال قراءتي لكتبه ظهر لي بعض الركائز التي يبني عليها منهجه، ولعل منها:
أولا: عدم الاعتداد بمصادر الأحكام الشرعية
فإن المصادر الشرعية معروفة عند أهل العلم، وهي: الكتاب، السنة، الإجماع، القياس، أما عند الدكتور فإنه لا يعتد بهذه المصادر:
فالقرآن لا يرجع في تفسيره إلى التفاسير المعروفة.
والسنة لا يعتد بها جميعا، بل لها ضوابط كما سبق.
والإجماع يشترط له أن يعتمد على دليل!!
أما القياس فقد قال: " لأن استلهام أصل من أصول الإسلام أقوى من القياس على آراء الرجال مهما كانوا أئمة " [8].
وأكثر المصادر في رأيه الذي تعصب له هو: " مقاصد الشريعة من عدل أو تيسير أو مصلحة " [9] وهذا وإن كان معمولا به عند أهل السنة والجماعة إلا أن القصد من وراء هذا المصدر في ظني حتى يكون أوسع مجالا لدخول الرأي، والفكر.
وهذا الأمر قد أثر على منهجه في التفسير بحيث جعله لا يعتد بتفسير أهل العلم، ولا يقيد القرآن بالسنة، بل في الحقيقة يسيّر النص تحت سلطان العقل والفكر، فقال: " وأقوى منها جميعا الرجوع إلى العقل وتحكيم المنطق السليم وطبيعة الشريعة ومقاصدها، حتى وإن كان الموضوع عباديا، لأنه مادام بعيدا عن ماهية الله تعالى وعالم السمعيات فإنه يخضع لحكم العقل والنظر، وما يهدي إليه المنطق السليم والقول بذلك يحرم الناس من استخدام عقولهم، ويعطل ملكات التفكير ويجعلهم أسرى للروايات " [10] ا. هـ
ثانيا: عمومية النص عمومية مطلقة
يلمح الدكتور إلى أن " القرآن الكريم أطلق أوصافا عامة لم يشأ أن يحددها لأنه يريد أن تتجاوب مع التطورات " [11] ا. هـ
وقال أيضا وهو يقارن بين المناخ الذي عاش فيه الفقهاء الأوائل رحمهم الله والعصر الحديث: " ولكن الصورة تختلف اختلافا جذريا في العصر الحديث، لأن استفاضة الثقافة والمعرفة ونشر المراجع الإسلامية القديمة والحديثة، ومناخ الحرية وانعتاق الفكر من أسار العقلية النقلية " [12] ا. هـ
ولا تظن أنه يوافق بذلك منهج أهل السنة في أن ألفاظ القرآن عامة، بل يشير الدكتور إلى قضية خطيرة أنقلها بحروفها: " على أن هذا ليس معناه أن تمنع الكتابة عن القرآن، فهيهات، فالقرآن هو البحر الذي يحوي أسرار الإسلام وشريعته، ولالئيها الثمينة ولكن أن تكون الكتابة إلهاما منه وتأثر به، فالكاتب هنا يكتب عما فهمه وتأثر به ولكنه لا يقول هذا تفسير القرآن كأنه صاحبه، والله هو صاحب القرآن، فمن هذه الناحية فإن البحر لا يرفض صيد صائد، ولا يضن على أحد .. ولا يحول دون النظر إليه والتأمل فيه وملاحظة رياحه، وأمواجه وامتداده الجميل الرهيب .. " [13] ا. هـ
¥