تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يتعرض الخطاب القرآني لمقصد هذا الاختلاف ومصيره فيؤكد أنه مقصود الله عز وجل في بين البشر الذين خلقهم الله عز وجل متنوعين ومتمايزين في الخلقة والتكوين والآراء والقناعات والدوافع والطموحات وغيرها من الفروق حتى يسخر بعضهم بعضا ويحتاج بعضهم إلى بعض ويأخذ بعضهم عن بعض ويكمل بعضهم بعضا, وأن هذا الاختلاف باق ومستمر حتى تقوم الحياة ويكون العمل ويصنع التاريخ وتبنى الحضارة, قال تعالى: "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" [هود:119].

رفع الاختلاف من وظائف الدين:

لقد بين الخطاب القرآني أن الله عز وجل إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع لإدارة الاختلاف وإيجاد المخارج المناسبة منه حتى يبقى مصدرا للتنوع والثراء وإنتاج الحضارة ولا يتحول إلى معول للهدم ووسيلة للردم الاجتماعي والسياسي والحضاري. قال تعالى: "فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ" [البقرة:213].

الدعوة إلى المصالحة في الخطاب القرآني:

وإلى جانب اهتمامه بالاختلاف بين البشر وتبيان تاريخه وقانونه وسببه وغايته, اهتم الخطاب القرآني بوصف ما يزيل ذلك الاختلاف ويعيد العلاقات الإنسانية والاجتماعية إلى سابق عهدها وسالف طبيعتها من التصافي والمودة والمحبة فاهتم بالدعوة إلى المصالحة وخصص لها هاشا واسعا من مساحته الكريمة بجعلها تحتل مكانة متقدمة ضمن مقاصده وما يصنع تميز هذه الدعوة إلى المصالحة شيئان أو أمران هما:

• فائدتها وأهميتها العظيمة:

إن الخطاب القرآني أعطاها أهمية بالغة وطلبها طلبا ملحا جازما, وقد جاء هذا الطلب بأشكال كثيرة وبصيغ متعددة بغرض إقناع الناس بها وحملهم عليها, فقد جاء طلبها والحث عليها باعتبارها الحل الأمثل والأنفع للناس. قال تعالى: "وَالصُّلْحُ خَيْرٌ" [النساء:128].

وجاء طلبها والحث عليها باعتبارها من فضائل الأعمال, قال تعالى: "إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ" [النساء:114]. وقال أيضا: "فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ" [الأنفال:1]. وقال تعالى أيضا: "أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ" [البقرة:224] , وجاء طلبها والحث عليها باعتبارها من واجبات الأخوة الإيمانية, قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" [الحجرات:10] , وجاء طلبها بصيغ وأشكال أخرى يعسر ذكرها كلها (1).

• شموليتها:

لقد جاء خطاب المصالحة في القرآن الكريم شاملا ومستغرقا للبشر جميعا وللموضوعات كلها, فالمصالحة في الخطاب القرآني مطلوبة من البشر جميعا وبين البشر جميعا وفي مختلف روابطهم النسبية والاجتماعية والإنسانية.

فالمصالحة مطلوبة داخل الأسرة بين الزوج والزوجة, قال تعالى:"فلا جناح عليهما أن يصالح بينهما صلحا والصلح خير" [النساء:128]. ويقول أيضا: "إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا" [النساء:30]. وقال أيضا: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا" [البقرة:228]. وهي مطلوبة بين أفراد المجتمع المسلم وشرائحه المختلفة وتياراته المتعددة, قال تعالى:"فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ" [الأنفال:1].

والمصالحة مطلوبة بين المسلمين وغيرهم من الشعوب والمجتمعات المغايرة لهم في الدين والثقافة والحضارة, قال تعالى: "وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا" " [الأنفال: 61].

كما أن المصالحة في الخطاب القرآن مطلوبة في الموضوعات كلها وفي المجالات كلها, ذكر الخطاب القرآني البعض منها على سبيل المثال لا الحصر, منها: مجال المعاملات مثل البيع والشراء والوصية, قال تعالى: "فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ" [البقرة:128]. ومنها مجال الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة, قال تعالى:"وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا" [الحجرات:9].

كيفية تحقيق المصالحة في الخطاب القرآني:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير