تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1 ـ تنبيه للأشياخ أن لا يحابوا طالبًا من أجل عرض من الدنيا، بل يكون تقديمهم له من أجل فهمه وعلمه، وكم من موقف حصل لبعضهم نظروا فيه إلى تقديم مصلحة دينية يظنونها ـ والحال فيها أنها مختلطة بمصلحة دنيوية ـ فيقدمون ذا المال والجاه من أجل مال ذاك أو جاهه، لكنهم لا يحصلون على مرادهم، فما كان لغير الله فهو منقطع.

2 ـ تعليل القضايا، إذ لا يكفي أن يكون الأمر معتبرًا لأنه فِعْل فلان أو قوله، مهما عظُم أمره، وكان مقدمًا بين الناس، وكم من فعل أُبهمت علته، وأمر الطلاب ـ أو غيرهم ـ بالعمل به، أو الاقتناع بع بقوة الآمر، فما كان ذلك مجدٍ ولا مفيد، إن لم ينقلب إلى ما لا تُحمدُ عقباه.

3 ـ دقة فهم ابن عباس، وقوة استنباطه وغوصه على الدقائق، وما سُمِّي حبر الأمة من فراغ، بل لأجل ذلك الاستنباط وغيره.

4 ـ إن دخوله مع أشياخ بدر ليدلُّ على تلك المنْزلة العظيمة التي كانت له في قلب عمر، وكان عمر يقول: (لا يلومني أحد على حب ابن عباس).

ومرض ابن عباس بالحمَّى، فعاده عمر، وقال: (أَخَلَّ بنا مرضك، فالله المستعان).

وتأمل هذين القولين من عمر، لتعلم مدى عناية عمر به، فلقد بلغ ابن عباس مبلغًا يجعل عمر يفتقده بسبب مرضه، ويعتذر لأصحابه في حبه لابن عباس، ولعله لا يخفاك الفرق بين عُمُر ابن عباس الصغير ـ وعُمُرِ الخليفة عمر بن الخطاب الكبير وكذا من كان معه من أشياخ بدر رضي الله عن الجميع، وهذا يدلك على عناية علماء الصحابة بالنابهين من الصغار وتعليمهم لأنهم هم أشياخ المستقبل، ومما يدل على ذلك من سيرة عمر أنه كان يجلس لهم يعلمهم القرآن، فقد روى الطبري بسنده عن ابن زيد في قوله تعالى:" وإذا قيلَ له اتق الله أخذته العزة بالإثم" إلى قوله:" والله رؤوف بالعباد"، قال: (كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى السُّبْحة وفرغ، دخل مربدًا له، فأرسل إلى فتيان قد قرأوا القرآن، منهم ابن عباس وابن أخي عيينة، قال: فيأتون فيقرأون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف. قال فمرُّوا بهذه الآية:" وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم"،" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاءَ مرضَات الله والله رؤوفٌ بالعباد"= قال ابن زيد: وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله= فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرجلان؟ فسمع عمر ما قال، فقال: وأيّ شيء قلت؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: ماذا قلت؟ اقتَتل الرجلان؟ قال فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى ههنا مَنْ إذا أُمِر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يَشري نفسه ابتغاءَ مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي! فقاتله، فاقتتل الرجلان! فقال عمر: لله بلادك يا بن عباس).

ومن تتبع عناية عمر بابن عباس وجد أمثلة كثيرة، أكتفي بما ذكرته منها، وأختم بخبر طريف رُوِي عن الحطيئة الشاعر الهجَّاء.

ففي كتاب الجليس الصالح للمعافى من طريق ابن عائشة عن أبيه، قال:: نظر الحطيئة إلى ابن عباس في مجلس عمر وقد فرع بكلامه، فقال: من هذا الذي نزل عن القوم بِسِنِّه، وعلاهم في قوله؟

قالوا: هذا ابن عباس. فأنشأ يقول:

إني وجدت بيان المرء نافلة ... يهدى له، ووجدت العِيِّ كالصمم

المرء يَبْلَى، وتبقى الكلم سائرة، ... وقد يلام الفتى يومًا ولم يُلِم

عهد عثمان (23 ـ 35)

ولما قُتل عمر في سنة (23) تولى بعده عثمان، واستمرَّ في الخلافة حتى سنة (35)، وكان عمر ابن عباس في تلك الفترة من (26 ـ 38) تقريبًا.

لقد استمر ابن عباس في عهد عثمان يتخطى سنيَّ الشباب، ويدخل في سنيِّ الكهولة، ولا زال في هذا العهد المبارك في مجلس شورى أهل بدر، كما لازال يُعلِّم الناس ويفتيهم، فقد أخبر عطاء بن يسار: (أن عمر وعثمان كانا يدعوان ابن عباس فيشير مع أهل بدر، وكان يفتي في عهد عمر وعثمان إلى يوم مات).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير