تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما يحكي منْزلته عند عثمان ما ذكر شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في موقف حصل لهم مع عثمان إبان إمرته، قال حسان: كانت لنا عند عثمان أو غيره من الأمراء حاجة فطلبناها إليه: جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وكانت حاجة صعبة شديدة فاعتل علينا فراجعوه إلى أن عذروه وقاموا إلا ابن عباس فلم يزل يراجعه بكلام جامع حتى سد عليه كل حاجة فلم يرى بُدًّا من أن يقضي حاجتنا فخرجنا من عنده وأنا آخذ بيد ابن عباس فمررنا على أولئك الذين كانوا عذروا وضعفوا فقلت: كان عبد الله أولاكم به قالوا: أجل.

فقلت أمدحه:

إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا

كفى وشفى ما في الصدور ولم يدع ... لذي اربة في القول جدا ولا هزلا

سموت إلى العليا بغير مشقة ... فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا

وقد جاءت هذه القصيدة بتمامها في ديوان حسان، قال:

إِذا ما اِبنُ عَبّاسٍ بَدا لَكَ وَجهُهُ رَأَيتَ لَهُ في كُلِّ أَحوالِهِ فَضلا

إِذا قالَ لَم يَترُك مَقالاً لِقائِلٍ بِمُلتَقَطاتٍ لا تَرى بَينَها فَصلا

كَفى وَشَفى ما في النُفوسِ فَلَم يَدَع لِذي إِربَةٍ في القَولِ جَدّاً وَلا هَزلا

سَمَوتَ إِلى العَليا بِغَيرِ مَشَقَّةٍ فَنِلتَ ذُراها لا دَنِيّاً وَلا وَغلا

خُلِقتَ خَليقاً لِلمَوَدَّةِ وَالنَدى فَليجاً وَلَم تُخلَق كَهاماً وَلا جَهلا

وتأمل ما حظي به هذا الشاب الحبر البحر من منْزلة عند الأمير حيث قبل شفاعته في الأمر، وما حظي به من مدح شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نظرا فيه إلى صِغَر سنٍّ هو فيها دونهما بكثير، بل نظرا فيه إلى عقله، وكم هو حريٌّ بنا معشر طلاب العلم أن نُنمِّي هذا الجانب بيننا، وأن نحترم من يحترم عقله، ومن يكون له رأي حصيف ولو كان أصغر منا.

ابن عباس أمير الحجِّ

في السنة التي حُوصِر فيها عثمان، وقُتِل رضي الله عنه، أرسل ابنَ عباس أميرًا على الحج، وفيها قال أبو وائل: (خطب ابن عباس ـ وهو على الموسم ـ فجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول: لو سمعته فارس والروم لأسلمت).

وفي رواية أن السورة التي قرأها سورة النور، قال أبو وائل: (قرأ ابن عباس سورة النور، فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت).

وفاة شيخ من أبرز شيوخه في عهد عثمان:

في سنة (30 هـ) من عهد عثمان توفي أحد شيوخ ابن عباس، وهو أبيُّ بن كعب الأنصاري، وقد أورد الحبْر رواية يظهر فيها من أدبه مع شيخه أُبيٍّ، قال ابن عباس: (ما حدثني أحد قط حديثا فاستفهمته، فلقد كنت آتي باب أُبيِّ بن كعب وهو نائم، فأقِيلُ على بابه، ولو علم بمكاني لأحب أن يُوقَظَ لِي لمكاني من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكنٍّي أكره أن أُمِلَّه).

(وفي ذلك من الأدب مع الأشياخ ما يحسن بطالب العلم أن يقتدي به، ومن ذلك:

1 ـ انظر كيف يصبر ابن عباس على حرِّ الهاجرة، وذلك من باب الحرص على طلب العلم.

2 ـ وكيف كره أن يغشى شيخه في وقت راحته، مع يقينه بمحبة شيخه له.

3 ـ وكيف كان احتماله للتعب في سبيل تعلمه وتعليمه.

ومن سؤالاته القرآنية لأُبي بن كعب، ما ذكره، فقال: (كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من المهاجرين والأنصار فأسألهم عن مغازي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما نزل من القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحدا منهم إلا سر بإتياني لقربي من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فجعلت أسأل أبي بن كعب يومًا ـ وكان من الراسخين في العلم ـ عمَّا نزل من القرآن بالمدينة فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة، وسائرها بمكة).

وفي هذا الأثر فوائد، منها:

1 ـ الثناء على الشيخ بما فيه من العلم،وذلك قوله: (وكان من الراسخين في العلم).

2 ـ الحرص على الأكابر من العلماء.

3 ـ الحرص على العلم المنقول (المغازي والنُّزول) ممن هم أعلم به ممن شاهدوا التنْزيل.

4 ـ معرفة الصحابة لحق قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحرصهم على وصل هذه القرابة، وهذا يدلك على محبة الصحابة لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم قد حفظوا حقوق آل بيته بعد موته، وليس كما يزعم من لا خلاق لهم أنهم ضيعوا حقوقهم وفرَّطوا فيهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير