تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

طبيعية وهو حال: يجد المؤمنون أنفسهم فيها قلبا وقالبا: قلبا من حيث ما يشعرون به هم من طمأنينة وسكينة وراحة بال، إذ يشعرون بالراحة الكاملة نتيجة الإيمان وأداء الأمانة أو بالتعبير الآخر الإيمان والعمل الصالح، ومن حيث القالب يجدون ما يسمى بالسلم (وهو نوع من الأمن)، فالأمن محله القلب أساسا، والصورة التي ينتجها ما في القلب في الخارج هي السلام. الأمن إذن نتيجة وليس فعلا يمكن أن نفعله، وإنما هو نتيجة طيبة ونعمة من الله عز وجل يتفضل بها علينا إذا آمنا وهو الشرط الأول، وإذا عملنا الصالحات وهو الشرط الثاني. وذلك ما نص عليه الوعد السابق الوارد في سورة النور الآية 55 ?وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا? فيأتي الأمن نتيجة ما سبق، ويأتي نتيجة أسباب معينة ويأتي نتيجة حصول شروط معينة، على رأسها الإيمان الصحيح والعمل الصالح، فإذا وجد هذا بالنسبة للفرد وبالنسبة للجماعة جاءت هذه النتيجة وإلا اختفت، ولا بأس من الإشارة في هذا المقام إلى سبب آخر من أسباب الاستمرار، تشير إليه الآية الأخرى في سورة النحل قال عز وجل: ?وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا في كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون? [النحل 112] حين اختفى الإيمان واختفى العمل الصالح، واختفى الشكر وحل محله شيء آخر سماه القرآن ?كفرت بأنعم الله ? سلبها الله نعمة الأمن، وهذا الأمر سنفصل فيه الحديث بعد قليل، عندما نتحدث عن موانع حصول الأمن، لكن هاهنا الإشارة إلى أن كفران النعمة يسلب نعمة الأمن، فالله عز وجل يعطي الأمن لكن عندما لا يقع الشكر على هذه النعمة فإنها تنقطع.

فالأمن يأتي بشروط محددة -تفضلا من الله على كل حال- ويأتي بالإيمان وبالعمل الصالح، لكن هل يستمر أو لا يستمر؟ الجواب عن ذلك هو أن الأمن يستمر بشكر النعمة وينقطع بكفران النعمة. وهنا نأتي إلى النظرة الأخرى التي هي في موانع الأمن فما الذي يمنع الأمن أن يكون بالقلوب وفي الحالة العامة للأمة.

النظرة الرابعة:

في الحقيقة من خلال آية سبأ يمكن أن نتلمس ثلاثة موانع هي تفصيل لكفران النعمة، ولا شك أن النعمة العظمى هي نعمة الأمن فيقع كفرانها، وعندما نأتي إلى آية سورة الحجرات عند قوله تعالى ?ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان? [الحجرات: 7] فهذه الأنواع الثلاثة كلها كفران لأنعم الله على رتب متفاوتة: الرتبة الأولى الخطيرة: هي رتبة الكفر الصراح، وتأتي بعدها رتبة ثانية -خطيرة أيضا- ولكنها دون الأولى، وهي الخرق المستمر للطاعة ورفض الامتثال مطلقا ليس إنكارا لله عز وجل، فهناك إيمان واعتراف بوجود الله، ولكن صاحب هذا النوع يرفض طاعته نهائيا. ولو تأملنا حال كفر إبليس وإلى أي نوع من أنواع الكفر ينتمي؟ يتبين أنه من هذا النوع، قال عز وجل في سورة الكهف الآية: 50 ? إن إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه? أي رفض أن يطيع. لكن معصية آدم عليه السلام- قبل أن يتوب الله عليه- كانت من نوع آخر، قال عز وجل:?وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ? [طه:118 - 119]، فمعصيته نتيجة خطأ ونتيجة زلل، وكانت معصية عارضة فقط، وليس معها إصرار على رفض الطاعة مطلقا بينما معصية إبليس معها رفض لأصل الطاعة مطلقا، فهي فسق والفسوق درجة عليا في المعصية، ولم يكن إبليس ينكر وجود الله عز وجل بل بالعكس كان دائما يعتبره ربه ويدعوه ويرجوه أن ينظره إلى يوم البعث، ولكنه رفض مبدأ الطاعة وطعن في نفس الأمر وأنه ليست فيه حكمة ?قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين? [ص:75] فإذن كيف يسجد له! هذا ليس بمنطق! وهذا ليس عدلا! ولا ينبغي أن يكون الأمر هكذا! هذا تصرف إبليسي متى حدث، لأنه يطعن في أسماء الله عز وجل وصفاته، ويطعن في حكمته وعدله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير